صريح ، بل ليس الملحوظ الا الذات السّازجة والماهية البحتة التي ليس في مرتبتها شيء من الاشياء حتى الوجود والعدم ، فكيف بالاستقلال والتبعية؟ وهي المرادة بقولهم الماهية من حيث هي ليست إلّا هي.
ومنها انه يلزم كون المعنى في المقامين جزئيا حقيقيا ذهنيا ، ضرورة ان القيد حقيقة اللحاظ بخارجيتها النفسانية.
ومنها انه يوجب تصورا آخر للمعنى فان التصور الاول متمّم المعنى المستعمل فيه ، وتصور المستعمل فيه مما لا بد منه في الاستعمال.
ومنها انه يلزم امتناع امتثال مثل «سر من البصرة» الا على التجريد ، فان المفهوم بقيد الوجود الذهني كلي عقلي لا موطن له سوى الذهن ، ومستحيل الانطباق على الخارجيات.
هذا محصل الاشكالات الناشئة من قبل اخذ التصور في المعنى ، وقد عرفت عدم اختصاصها بالحروف بل يجري في الاسماء التي بمعناها ايضا.
وتوضيح الجواب عن الكل يحتاج الى تمهيد مقدمة : وهي انه لا شبهة في انه ليس لنا وراء عالم الذهن والخارج عالم آخر كان هو عالم المفاهيم ، وهذا معنى قولهم الماهية من حيث هي ليست إلّا هي ، بل لا بد من اشراب الوجود اياها ، ولا شك ان اشراب الوجود الذهني مانع عن الصدق على الخارجيات ، فصدق المفاهيم على الخارجيات لا يمكن إلّا بعد تعريتها عن الوجود الذهني ، كما هو الحال في النظرة الاولى ، ثم بعد هذه التعرية لا يلزم الانعدام الرأسي ، بل يبقى هنا شيء ويراه الانسان امرا منحازا عن كلا عالمي الذهن والخارج ، وهذا هو المسمّى عندهم بظرف التقرر ، وفي هذا النظر يقال : هذا اما موجود في الذهن او في الخارج او معدوم ، وبالجملة بعد الاشراب والسلب المذكورين يبقى لنا مشار اليه بهذا ، وهذا هو المعبّر عنه بالتخلية في عين التحلية ، واذا كان هذا حال اصل المفاهيم فالحال في الاوصاف المتحققة لها في الذهن يكون كذلك ايضا ، فلا يلزم من غمض العين عن حيث ذهنيتها زوالها بالمرة.
اذا تمهدت المقدمة فنقول ان مفهوم «من» مثلا كسائر المفاهيم بلا فرق ، في انه بعد التعرية المذكورة يصير كليا صادقا على الكثيرين مع ان واقعه موجود ذهني ، فحاله في ذلك حال مفهوم لفظ «الابتداء» بعينه ، بل ابتلاء الثاني اشد من الاول بالذهن ، حيث انه متصف في الذهن بوصف الاستقلال المضادّ لما في الخارج من وصف الاندكاك والافتقار ، فهو مضافا الى التجريد عن الوجود الذهني يحتاج الى التجريد عن هذه الصفة ايضا حتى ينطبق على الخارجيات ، واما مفهوم «من» فهو مشابه للخارج في وصف الاندكاك ، فلا يحتاج الى ازيد من التجريد عن الوجود الذهني ، وعلى هذا فيصحّ ان يقال ان الملحوظ على قسمين : لانه اما