داخلة ، ولها دوال أخر ، فالمستعمل فيه للفظة «من» مثلا في جميع الموارد معنى واحد كلي وهو اصل الابتداء العاجز ، ومن لوازمه انك ايّ معنى فعل او شبهه قرّبت منه وركّبت معه يتقيد هذا المعنى به ويصير هو خصوصية طارية على هذا المعنى ، لكن هذا المعنى المتعلق لا ربط له بحقيقة معنى «من» ، وله دال آخر فكلّ من الدوالّ قد استعمل في معناه الموضوع له ، فمادة سرت قد استعملت في مفهوم السير ، وهيئته في النسبة التجزمية ، ولفظة «من» في مطلق المبدئية العاجزة ، والخصوصية انما حصلت من تركب هذه المعاني كما ان لفظ الرقبة في قولك «رقبة مؤمنة» قد استعمل في مطلق الرقبة ، والمؤمنة في مطلق المؤمنة ، والخصوصية انما حصلت من انضمامهما.
فان قلت : مقتضى موضوعية الجامع المحكي بمفهوم الابتداء المحتاج في التعقل الى المتعلق هو موضوعية الفرد الخاص الموجود في قولك «سرت من البصرة» على ان يكون القيد خارجا والتقيد داخلا لصدق ذلك العنوان عليه وايجاده معه.
قلت : حكم الموضوعية لا يسرى من الجامع الى افراده ، ألا ترى ان مفهوم الحيوان الناطق موضوع له للفظ الانسان مع عدم كون افراده كذلك.
فان قلت : ان التبادر يقضي بان معنى «من» خصوصيات الابتداء.
قلت من المعلوم بالوجدان أن معنى «من» لا يتفاوت بتفاوت التراكيب وانه معنى كلي ، وان كنت شاكا في ذلك فاخبرنا عن كلمة «من» في قولك : «من البصرة سرت» هل يفيد معنى عند العرف قبل التلفظ بلفظ البصرة اولا؟ وان افادت فهل هو إلّا مطلق المبدئية العاجزة الناقصة.
وان شئت توضيح المقام ازيد مما عرفت فنقول : انه لا شك في ان الجوامع كلها منتزعة عن الخارجيات ، ولا شك ان السير الخارجي من البصرة مثلا اذا حللته وجزّيته بنظر العقل حصل عندك ثلاثة اشياء ، الاول السير ، والثاني البصرة ، والثالث خصوصية كون السير مبتدأ من البصرة ، وهذا الثالث يمكن لحاظه بنحوين : الاول ان يلحظ ويتعقل مستقلا ، ومن حيث هو ، على عكسه في الخارج ، اذ هو في الخارج عاجز محتاج الى المتعلق ، وهو السير ، مندك فيه ، وفي الذهن تام مستغن عن غيره ، بحيث يكون لحاظ المتعلق معه وضع شيء في جنبه ، الثاني ان يلحظ على طبق وجوده الخارجي ، حذو النعل بالنعل ، فكما انه في الخارج محتاج الى المتعلق وموجود ببركة وجوده ، فكذا يتعقل في الذهن محتاجا الى متعلق خاص وببركة تعقله ، ولا شك ان هذا اعنى كونه محتاجا في التعقل الى المتعلق الخاص لا يوجب ان يكون لهذا المتعلق الخاص دخل في حقيقته ومعناه اصلا ، بل هو مقدمة لتعقله ، خارج عن حقيقته ، ألا ترى ان