فعل هذا وترك ذاك.
لنا أن المقتضى للامتثال وهو العلم بخطاب المولى موجود بالفرض ، والشك في تعيين المكلف به ليس بمانع عند العقل ، وهل يجوّز العقل المخالفة القطعية للتكليف المقطوع مع تمكن المكلف من الامتثال ، بمجرد الشك في التعيين؟! حاشاه من ذلك ، فان الملاك المتحقق في مخالفة العلم التفصيلى موجود هنا بعينه ، ومن هنا يظهر ان العقل يوجب الموافقة القطعيّة ، لان العلم بالواقع اوجب تنجزه على المكلف ، فليس له حجة في عدم اتيانه كما هو ظاهر.
فان قلت : إن الاصل العقلى وان كان كذلك ، إلّا ان الاخبار الدالة على الترخيص في موارد الشك باطلاقها او عمومها شاملة للمقام ، فيحكم بالاباحة بمقتضى الاخبار ، لا بمقتضى حكم العقل.
قلت : ما ننكر شمول الاخبار للمقام كما ذكرت ، وما ذكر في نفى شمولها من كون العلم المأخوذ غاية أعم من العلم الاجمالي والتفصيلي ، والاول حاصل في المقام ، مدفوع بان الغاية صيرورة المشكوك معلوما ، وهنا ليس كذلك ، كما هو واضح ، فموضوع ادلة الاصول باق على حاله ، إلّا ان الاخذ بمؤدى الاصول في تمام اطراف العلم الاجمالى يوجب الاذن في المخالفة القطعية ، وهو مما يحكم العقل بقبحه على الحكيم تعالى ، فان المفروض تحقق العلم بخطاب فعلى عن الشارع ، وحينئذ ترخيصه في تمام اطراف العلم يرجع الى ترخيصه في المعصية ، ولو جاز ترخيصه في المعصية هنا جاز في العلم التفصيلي ايضا ، لانهما من واد واحد كما لا يخفى.
نعم يمكن ان يرخص في بعض الاطراف اما تعيينا واما على البدلية ، لان الاذن في البعض ليس اذنا في المعصية (١) ولا يكون منافيا للتكليف الواقعى المعلوم بالاجمال ، لما ذكرنا في محله من اختلاف مرتبة الحكمين ، فحينئذ فالعمدة
__________________
(١) فيه اشكال نبهنا عليه فيما علقناه على مبحث القطع ، فراجع (م. ع. مدّ ظلّه).