فان كان المانع من اجراء البراءة فيها الجهة الاولى فقد فرغنا عنها ، وان الحق فيها من هذه الجهة البراءة ، وكل ما اقمناه حجة هناك جار هنا ، فلا نطيل الكلام باعادته.
وان كان المانع الجهة الثانية فقد مر ايضا الكلام فيه ، وأن ما يشك كونه محرما من جهة الشك في انطباق العنوان عليه حكمه حكم ما يشك كونه محرما من جهة الشبهة الحكمية.
والحاصل انه بعد ما فرضنا قبح المؤاخذة على ارتكاب المحرم المجهول فلا فرق في ذلك بين ان يكون المرتكب جاهلا بالصغرى وان هذا خمر مثلا وبين ان يكون جاهلا بالكبرى بان لا يعلم حرمتها ، فالقائل بوجوب الاحتياط ان كان نظره الى ان هذا المورد مما دار الامر فيه بين الاقل والاكثر ، فقد اجبنا عن اشكاله في الشبهة الحكمية ، وان كان نظره الى كون المقام من الشبهات الموضوعية ، فقد اجبنا عن اشكاله في الشبهة الموضوعية ، ولا يعقل ان يحدث اجتماع الجهتين اللتين ليست واحدة منهما موجبة للاحتياط ايجاب الاحتياط ، هذا ان حملنا دليل المانع على الوجود السارى ، كما هو ظاهر النواهى الشرعية عرفا سواء كانت نفسية او غيرية.
وان حملناه على صرف الوجود فقد يتوهم ان مقتضى القاعدة الاحتياط ، حيث ان تقييد الصلاة بعدم تلك الحقيقة معلوم ، وهو تقييد واحد سواء كثرت افرادها ام قلّت ، ولا يتحقق ذلك العدم الا بعدم جميع الافراد ، كما اذا قيّدت الصلاة بالطهارة عن الحدث ولم يعلم بانه هل يتحقق بالمركب من الغسلتين والمسحتين او به وبشيء آخر ، والحاصل انه لو كان التكليف بشيء واحد معلوما ودار الامر في محصل ذلك الشيء بين الاقل والاكثر فلا شك في لزوم الاحتياط ، والسر في ذلك أن محط التكليف ليس هذا المركب حتى يؤخذ فيه بالقدر المتيقن ويكون الشك في الباقي شكا في اصل التكليف ، بل التكليف متعلق بذلك المعنى الواحد ، فالذمة مشغولة به يجب الفراغ عنه.