اشكال فيه ، واما اذا كان التعارض بين ازيد منهما فقد يشكل الامر ، من حيث ان ملاحظة علاج التعارض بين اثنين منهما قد توجب انقلاب النسبة مع الآخر ، مثلا لو ورد اكرم العلماء ، وورد ايضا لا تكرم الفساق من العلماء ، ونعلم من الاجماع ونحوه عدم وجوب اكرام النحويين ، فقد يتخيل ان العام بعد القطع بخروج النحويين منه يصير بمنزلة قولنا : اكرم العلماء الغير النحويين ، والنسبة بينه وبين الخاص الآخر اعنى : لا تكرم الفساق من العلماء ، تكون عموما من وجه.
وهذا فاسد من جهة أن ورود كل من الخاصين على العام انما يكون في مرتبة واحدة وان كان احدهما قطعيا والآخر دليلا لفظيا قطعي الاعتبار.
نعم لو كان دليل التخصيص مكتنفا بالكلام ، بحيث انعقد للكلام ظهور واحد ، ودليل التخصيص الآخر منفصلا عنه يجب ان يلاحظ نسبة ذلك المخصص المنفصل مع ذلك العام المخصص ، لكن مع كونهما منفصلين لا وجه لملاحظة احدهما قبل الآخر وتخصيص العام به ثم ملاحظة الخاص الآخر مع العام المخصص ، وهذا واضح.
وقال شيخنا الاستاذ «دام بقائه» في وجه عدم انقلاب النسبة : ان النسبة انما هي بملاحظة الظهورات ، وتخصيص العام بمخصص منفصل ولو كان قطعيا لا ينثلم به ظهوره وان انثلم به حجيته «انتهى» (١).
اقول : الذي لا ينثلم هو ظهوره في المعنى التصورى ، اعنى الملقى في ذهن السامع حين سماعه ، وأما ظهوره في ارادة المتكلم فلا شك في اختلافه بعد التخصيص بالمنفصل ، اذ قبله ظاهر في ارادة الجميع على حد سواء ، وبعده يقطع بعدم ارادة البعض المخرج ويصير ظهوره في ارادة الباقي اقوى ، ولذا قد يصير كثرة التخصيص الى مرتبة يقطع بارادة الباقي.
__________________
(١) كفاية الاصول مبحث التعادل والترجيح ، ج ٢ ، (ص ٤٠٦ ، ط المشكينى).