والوجه في ذلك بناء على التعدى ان ملاك الاخذ باحدهما معينا كونه ـ لو فرض كذب احد المتعارضين وصدق الآخر ـ اولى بالمطابقة للواقع ، او كونه منضما الى شيء يوجب اقربيته الى الواقع ، على الاختلاف الذي ذكرناه سابقا في فهم الملاك من الاخبار ، وعلى كل حال مخالفة العامة عدّت في الاخبار مما يتحقق به ملاك الترجيح ، كالاعدلية وامثالها ، فلو كان احد الخبرين موافقا للعامة والآخر مخالفا لهم وكان رواة المطابق لهم اعدل يحكم بالتخيير ، لان ملاك الترجيح في كل منهما على نهج واحد لا مزية لأحدهما على الآخر.
وهكذا الكلام على القول بالاقتصار على المرجحات المنصوصة ، بناء على ان الاخبار ليست في بيان الترتيب ، بل هي في مقام تعداد المرجحات ، لانه كما ان الاعدلية عدّت في الاخبار من المرجحات كذلك مخالفة العامة ايضا عدّت منها ، فلا وجه لترجيح خبر الاعدل المطابق للعامة على غيره المخالف لهم ، خلافا لشيخنا المرتضى «قدسسره» حيث قدّم الخبر الارجح سندا المطابق للعامة على غيره المخالف لهم.
قال في باب التعادل والتراجيح ما لفظه : اما لو زاحم الترجيح بالصدور الترجيح من حيث جهة الصدور ، بان كان الارجح صدورا موافقا للعامة ، فالظاهر تقديمه على غيره وان كان مخالفا لهم ، بناء على تعليل الترجيح بمخالفة العامة باحتمال التقية في الموافق ، لان هذا الترجيح ملحوظ في الخبرين بعد فرض صدورهما قطعا كما في المتواترين ، او تعبدا كما في الخبرين بعد عدم امكان التعبد بصدور احدهما وترك التعبد بصدور الآخر ، وفيما نحن فيه يمكن ذلك بمقتضى ادلة الترجيح من حيث الصدور.
فان قلت : ان الاصل في الخبرين الصدور ، فاذا تعبّدنا بصدورهما اقتضى ذلك الحكم بصدور الخبر الموافق تقية ، كما يقتضى ذلك الحكم بارادة خلاف الظاهر في اضعفهما دلالة ، فيكون هذا المرجح نظير الترجيح بحسب الدلالة مقدما على الترجيح بحسب الصدور.