لكن قد يستشكل في دلالتها على المدّعى في المقام ، بانّها واردة في مقام الحكومة ، والترجيح في ذلك المقام ـ حيث إنّ الخصومة لا ترتفع الا به لا بالتخيير ـ لا يستلزم التخيير في مقام الفتوى.
والجواب انك عرفت فيما تقدم ظهور صدرها في اعطاء منصب القضاء لمن كان عارفا لا بما هو هذا العنوان وان لم يكف عرفانه لتميز الحق عن الباطل في مورد التنازع ، بل بما هو طريق للتميز في مورد النزاع ، كما يشهد بذلك قوله عليهالسلام : «فاذا حكم بحكمنا» وحينئذ فنقول : الظاهر ان السؤال في الذيل راجع الى هذا الذي جعل موضوعا في الصدر ، فكانه قال : اذا اتّحد الفرد لهذا العنوان فلا اشكال ، واما اذا اختلف الفرد ان منه فلا نعرف ان ايّهما ميزان لمعرفة الواقع حتى يكون هو المنصوب للقضاء؟ فاذا اجاب بتعيّن الافقه فهو في قوّة انه هو الميزان لمعرفة الواقع ، ويشهد لذلك قوله عليهالسلام : «الحكم ما حكم به افقههما ـ الى ان قال : ـ ولا يلتفت الى ما يحكم به الآخر «الخ» ، فان المراد بالحكم هو الرأي والقول كما يشهد به سائر الفقرات.
فان قلت : هذه المقبولة لا تفيد المدّعى ، لان المدّعى هو الترجيح بصرف الافقهية ، ومفادها الترجيح بمجموع الامور الاربعة من الأفقهية واخواتها.
قلت : بل مفادها الترجيح بمطلق الرجحان الحاصل باحد من الامور المذكورة ، كما يشهد به قول السائل بعده : «لا يفضل واحد منهما على الآخر». نعم اللازم من هذا لزوم الترجيح بصرف الاورعية ولو مع المساواة في العلم ، ولا بأس بالقول به.
فان قلت : الظاهر ان هذه الامور مرجحات الرواية كما هو المراد قطعا في الفقرات المتأخرة ، وذلك لعدم مناسبة الأصدقيّة لباب الفتوى ، بل وكذا الافقهية مع اختلاف مدرك الفقيهين وكونه حديثين كما هو مورد الرواية ، والمناسب لباب الفتوى هو الترجيح بالافقهية مع فرض كون المدرك لهما حديثا واحدا وكان الاختلاف في فهم المراد.