الاول او الثاني؟
وتوضيح المقام يتوقف على تصور الواجبات التعبدية وشرح حقيقتها حتى يتضح الحال في صورة الشك فنقول ـ وبالله الاستعانة ـ :
انه قد اشتهر في السنة العلماء انها عبارة عما يعتبر فيه اتيانه بقصد اطاعة الامر المتوجه اليه ، واورد على ذلك بلزوم الدور فان الموضوع مقدم على الحكم رتبة لانه معروض له ، ولا اشكال في تقدمه على العرض بحسب الرتبة ، وهذا الموضوع يتوقف على الامر لما اخذ فيه من خصوصية وقوعه بداعى الامر التي لا تتحقق الا بعد الامر ، فالامر يتوقف على الموضوع لكونه عرضا له ، والموضوع يتوقف على الامر لانه لا يتحقق بدونه.
وفيه ان توقف الموضوع على الامر فيما نحن فيه مسلم لكونه مقيدا به والمقيد لا يتحقق في الخارج بدون القيد ، واما ان الامر يتوقف على الموضوع فان اردت توقفه عليه في الخارج فهو باطل ، ضرورة ان الامر لا يتعلق بالموضوع الا قبل الوجود ، واما بعده فيستحيل تعلقه به ، لامتناع طلب الحاصل ، وان اردت توقفه عليه تصورا فمسلم ، ولكن لا يلزم الدور اصلا ، فان غاية الامر ان الموضوع هنا بحسب وجوده الخارجي يتوقف على الأمر ، والامر يتوقف على الوجود الذهني له.
وقد يقرر الدور بان القدرة على الموضوع الذي اعتبر وقوعه بداعى الامر لا يتحقق إلّا بعد الامر ، والامر لا يتعلق بشيء الا بعد تحقق القدرة ، فتوقف الامر على القدرة بالبداهة العقلية ، وتوقف القدرة على الامر بالفرض.
وفيه ان الممتنع بحكم العقل تعلق الامر بشيء يعجز عن اتيانه في وقت الامتثال واما انه يجب ان يكون القدرة سابقة على الامر حتى يصح الامر فلا ، ضرورة انه لا يمتنع عند العقل ان يحكم المولى بشيء يعجز عنه المأمور في مرتبة الحكم ولكن حصل له القدرة عليه بنفس ذلك الحكم ، فحينئذ نقول انّ توقف القدرة على الامر مسلم ، واما توقف الامر على القدرة بمعنى لزوم كونها قبله رتبة فلا ، لما عرفت من جواز حصولها بنفس الامر ، وهاهنا كذلك ، لانه بنفس الامر تحصل