ذلك من جهة الاعتماد على اصالة الحقيقة (١) كى لا يرفع اليد عنها حتى في صورة وجود ما يصلح للقرينية فغير معلوم ، وان كان قد يدّعى ان بناء العقلاء على الجرى على ما يقتضيه طبع الاشياء ما داموا شاكين في ثبوت ما اخرجها عن الطبيعة الاولية ، ومن ذلك بنائهم على صحة الاشياء عند شكهم في الصحة والفساد ، لان مقتضى طبع كل شيء ان يوجد صحيحا ، والفساد يجىء من قبل امر خارج عنه ، ولعل من هذا القبيل القاعدة المسلمة عندهم ، «كل دم يمكن ان يكون حيضا فهو حيض» فان مقتضى طبع المرأة ان يكون الدم الخارج منها دم حيض ، وغيره خارج عن مقتضى الطبع ، وعلى هذا نقول ان مقتضى طبع اللفظ الموضوع ان يستعمل في معناه الموضوع له ، لان الحكمة في الوضع تمكن الناس من اداء مراداتهم بتوسط الالفاظ ، فاستعماله في غيره انما جاء من قبل الامر الخارج عن مقتضى الطبع.
__________________
(١) هذا اشارة الى دفع ما اورد على شيخنا المرتضى ، حيث أرجع اصالة الحقيقة ونحوها الى اصالة عدم القرينة ، وحاصل الايراد ان الشك في تخلف الارادة الاستعمالية عن المعنى المنتقل اليه عند سماع مجموع الكلام إما من جهة احتمال انه كانت مع الكلام قرينة فسقطت في البين ، وإما من جهة احتمال عمد المتكلم الى اخفائها لحكمة ، والاول مدفوع باصالة عدم القرينة ، وأن الصورة التى وصلت الينا من الكلام هي بعينها ما صدر من المتكلم بلا زيادة ونقيصة ، والثاني مدفوع باصالة الحقيقة في مثل جئني باسد ، وباصالة الظهور في مثل جئني باسد يرمي ، فاين لنا موضع صح فيه الارجاع المذكور؟
وحاصل الدفع أنه في الشق الاول ان بنينا على أن اللفظ تمام الموضوع للحجية ، فالمرجع فيه اصالة الحقيقة او الظهور ، حسب اختلاف المثالين المتقدمين ، وان بنينا على انه بعض الموضوع ، والبعض الآخر خلوه عن القرينة ، فلا بد اولا من الرجوع الى اصالة عدم القرينة ، وتشخيص حال اللفظ بسببها ، ثم الرجوع بعد ذلك الى اصالة الحقيقة او الظهور ، لدفع الشك الآخر ، وحيث ان الظاهر هو الثاني ، بدليل سراية الاجمال من القرينة المتصلة دون المنفصلة ، صح الارجاع المذكور ، بل لو قيل بارجاع الكل الى أصالة الظهور صح ايضا بملاحظة ان مرجع أصالة عدم القرينة الى كون عدمها ظاهرا متبعا عند العقلاء. «منه ، قدسسره».