الوجوب (١) ببعض الحالات دون البعض وببعض الأزمنة دون البعض.
فإن قلت : أليس ينوي في الطهارة قبل دخول الوقت الاستحباب ، وذلك خطاب التكليف ، فكيف جعلها من خطاب الوضع؟
قلت : ذلك وإن احتيج إليه في الطهارة فهو غير محتاج إليه في الاستقبال والستر ، ولهذا لو اتفق كونه قائما إلى القبلة وقد لبس ساترا للعورة حياء من الناس أو ألبسه غيره كرها أجزأ ذلك في الصلاة.
وأما وقوع الطهارة بنية الاستحباب فهو باعتبار أنها في نفسها مستحبة لاستحباب الدوام على الطهارة ، ولا امتناع في كون الشيء من خطاب الوضع باعتبار ومن خطاب التكليف باعتبار ، فإذا وجد سبب الوجوب كدخول الوقت مثلا على متطهر (٢) ندبا فقد خوطب بالصلاة حينئذ من غير أمر بتجديد طهارة لامتناع تحصيل الحاصل.
وإن كان محدثا اجتمع عليه خطاب التكليف بفعل الطهارة وجوبا وخطاب الوضع ، ومن قبله كان عليه خطاب التكليف باستحباب الطهارة ، فلا امتناع في ذلك.
وهذا الإشكال البين (٣) هو الذي ألجأ بعض العلماء إلى اعتقاد وجوب الوضوء وغيره من الطهارات لنفسه ، غير أنه يجب وجوبا موسعا قبل الوقت وفي الوقت وجوبا مضيقا عند آخر الوقت. ذهب إلى ذلك القاضي أبو بكر ابن العنبري من الجمهور وحكاه الرازي في التفسير عن جماعة ، وصار بعض الأصحاب إلى
__________________
(١) في ك : لأن شأن الشرع تخصيص الوجوب.
(٢) في ص : مطهر.
(٣) في ك : اليسير.