ويتفرغ على اعتبار أن الأمر هو حق الله تعالى : أن حقوق العباد المأمور بأدائها إليهم مشتملة على حق الله تعالى لأجل الأمر الوارد إليهم معاملة أو أمانة أو حدا أو قصاصا أو دية أو غير ذلك ، فعلى هذا يوجد حق الله بدون حق العباد كما في الأمر بالصلاة ، ولا يوجد حق العبد بدون حق الله تعالى. والضابط فيه أن كل ما للبعد إسقاطه فهو حق العبد ومالا فلا ، كتحريم الربا والغرر فإنه لو تراضيا اثنان على ذلك لم يخرج عن الحرمة لتعلق حق الله تعالى به ، لأن الله تعالى إنما حرمها صونا لمال العباد عليهم وحفظا له عن الضياع ، فلا تحصل المصلحة بالمعقود عليه أو تحصل مصلحة نزرة (١) بإزائها مفسدة كبرى ، ومن ثمَّ منع العبد من إتلاف نفسه وماله ولا اعتبار برضاه في ذلك ، ولذلك حرمت السرقة والغصب صونا لماله والقذف صونا لعرضه والزنا صونا لنسبه والقتل والجرح صونا لنفسه ، ولا يغيرها رضى العبد.
فائدة :
لو اجتمع مضطران فصاعدا إلى الإنفاق وليس هناك ما يفضل عن أحدهما قدم واجب النفقة ، فإن وجبت نفقة الكل قدم الأقرب فالأقرب ، فإن تساويا فالأقرب القسمة. ولو كان الكل غير واجبي النفقة في الأصل فالأقرب تقديم المخشي تلفه ، فإن تساووا احتمل تقديم الأفضل.
ولا يعارض الإمام غيره البتة. ولو كان عنده ما لو أطعمه أحد المضطرين لعاش يوما ولو قسمه بينهما لعاش كل منهما نصف يوم فالظاهر القسمة ، لعموم قوله تعالى « إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ » (٢) ، ولتوقع تتميم حياة كل منهما.
__________________
(١) مصلحة نزرة أي قليلة.
(٢) سورة النحل : ٩٠.