ليس هو طبيعة الخبر مهملة حتى يقال بأنّه على كلا القولين ليس الموضوع ذات الخبر ، بل الموضوع في المقام كسائر المقامات قد أخذ طبيعة مطلقة ، وهي الطبيعة الملغاة عنها جميع الخصوصيّات ، السارية في جميع تلك الخصوصيّات ، الجامعة بين جميعها ، وكما أنّ الموضوع لقوله تعالى : (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ)(١) ليس هو طبيعة البيع مهملة ، بل هو طبيعة البيع مطلقا بمعنى كونها سارية في جميع أفراده ، سواء كانت الصيغة فيه عربيّة أو غيرها ، مقدّما إيجابه على القبول أو مؤخّرا ، بالغا موجبه أو غير بالغ وهكذا ، كذلك في المقام يكون الموضوع هو ذات الخبر الواحد مطلقا ، أي ملغاة عنها جميع الخصوصيّات ، سارية في ضمن خبر العادل والفاسق والكبير والصغير والحرّ والعبد وغيرهم ، فعلى هذا ، الاستدلال تامّ من هذه الجهة أيضا لا يرد عليه هذا الإشكال.
نعم يبقى شيء آخر ، وهو : أنّه حينئذ تثبت حجّيّة الخبر الّذي لا يكون الجائي به فاسقا مطلقا ، عادلا كان أو غير عادل ، فعلى القول بثبوت الواسطة تثبت حجّيّة خبر من لا يكون عادلا ولا فاسقا ، كالصغير والمجنون وأمثالهما ، مع أنّه لم يلتزم به أحد.
ولكن لا يخفى أنّ هذا الإشكال مشترك الورود حتى عند من يقول بدلالة الآية على حجّيّة خبر العادل بمفهوم الشرط أيضا ، فإنّ مفهومها أنّه إن لم يجئ الفاسق بالخبر ـ سواء كان الجائي به عادلا أو غيره ـ لا يجب التبيّن.
فالحقّ أن يقال : إنّ اعتبار العدالة إنّما ثبت بدليل خارجي ، ولو لم يكن في المقام إلّا الآية ، لكان الأمر كما ذكر.
نعم ، يرد على الاستدلال إشكال آخر ، وهو أنّ هذا التقريب الّذي ذكرتم
__________________
(١) البقرة : ٢٧٥.