محكوما بحكم آخر ، فإنّه بنظر العقل من اجتماع الضدّين ، فإنّه يعلم بثبوت الملزوم ، وهو وجوب ذي المقدّمة بالتعبّد ، وبثبوت الملازمة بالوجدان ، وبعد هذين العلمين يعلم بالنتيجة ، وهي وجوب المقدّمة لا محالة ، لما عرفت من أنّ العلم بالنتيجة معلول للعلم بثبوت الملزوم والملازمة ، وما أظنّ أنّ أحدا ينكر هذا المعنى ويقول : إنّ الحكم الشرعي لا يترتّب على مثل هذا البرهان العقلي.
والظاهر أنّ كلام الأخباريّين ناظر إلى الوجه الأوّل ، وقد عرفت أنّ الحقّ معهم بحسب الصغرى ، أي عدم إمكان العلم بملاكات الأحكام من المصلحة والمفسدة غير المزاحمتين ، أمّا على تقدير تحقّق الصغرى والعلم بالملاك فلا وقع للمنع عن استكشاف الحكم.
بقيت فروع تعرّض لها شيخنا العلّامة الأنصاري (١) ـ أعلى الله مقامه ـ تكون بظاهرها منافية لكون حجّيّة القطع ذاتيّة ، وفي الحقيقة هي إشكال نقضي على القول بكون القطع حجّة ذاتا ، ولا يمكن للشارع منع القاطع عن متابعة قطعه أو التجويز في مخالفته.
منها : ما يستفاد من رواية السكوني من أنّ الودعيّ لو كان عنده لأحد درهم ، والآخر درهمان ، فتلف أحد الدراهم ، يأخذ صاحب الدرهم نصفا وصاحب الاثنين درهما ونصفا (٢) ، فإنّه قد ينجرّ إلى العلم التفصيليّ بالمخالفة فيما إذا انتقل الدرهم المشترك بينهما إلى ثالث فاشترى به جارية ، فإنّ المشتري للجارية يعلم تفصيلا بعدم انتقال ثمن الجارية إليه من مالكه الواقعي ، وأنّ النّظر إلى هذه الجارية المشتراة بذلك الثمن حرام كما أنّ وطأها أيضا كذلك مع أنّ
__________________
(١) فرائد الأصول : ١٧.
(٢) الفقيه ٣ : ٢٣ ـ ٦٣ ، التهذيب ٦ : ٢٠٨ ـ ٤٨٣ ، الوسائل ١٨ : ٤٥٢ ، الباب ١٢ من كتاب الصلح ، الحديث ١. وفيها بدل الدرهم : الدينار.