العقاب بلا بيان ـ وهكذا الشرعيّة ـ وهو «رفع ما لا يعلمون» ـ هو من كان جاهلا بالحكم ولم يظفر بدليله بعد الفحص ، فحينئذ إذا التفت المجتهد إلى جواز الاجتياز عن المساجد للحائض وعدمه ، وفحص عن الدليل ولم يظفر بدليل المنع فليس له إجراء البراءة والإفتاء بالجواز ، فإنّه ليس بشاكّ في حكم نفسه ، إذ المفروض أنّه التفت إلى حكم الغير ، فلا يكون دليل البراءة شاملا له ، وهكذا ليس للمقلّد (١) أيضا ذلك ، ضرورة أنّه غير متمكّن من الفحص وإن كان جاهلا بحكم نفسه ، بل المجتهد يخبر المقلّد ويعلمه بأنّه ليس دليل على حرمة الاجتياز حتّى يطمئنّ بعدم البيان ، فيتحقّق موضوع البراءة في حقّه ، فيجري هو بنفسه.
فالحقّ في التقسيم أن يقال : إنّ المكلّف ـ سواء كان مجتهدا أو مقلّدا ـ إذا التفت إلى حكم نفسه ، فإن حصل له القطع ، يعمل على طبق قطعه ، وهكذا إذا حصل له طريق معتبر ، يعمل بما أدّى إليه الطريق ، وإلّا ينتهي أمره إلى الأصول العمليّة.
والمجتهد إذا التفت إلى حكم غيره ، فإن حصل له القطع أو قامت أمارة على الحكم ، يجوز له الإفتاء على طبق قطعه ومؤدّى الأمارة ، وإلّا ينتهي أمره إلى الأصول العمليّة على التفصيل السابق.
وهنا أمور لا بدّ من التنبيه عليها :
الأوّل : التجرّي ، ويقع الكلام فيه في جهات :
الأولى ـ وهي جهة فقهيّة ـ : أنّ الفعل المتجرّى به هل هو حرام أم لا؟
الثانية ـ وهي جهة أصوليّة ـ : يبحث فيها في مقامين :
__________________
(١) كذا ، ولعلّه أراد الجنس.