المستتبع للحكم الشرعي ، فلا بدّ من ثبوت حكم آخر ، وهكذا إلى ما لا نهاية له ، ولازمه أن يكون هناك أحكام غير متناهية وإرادات غير متناهية ومعاص غير متناهية ، إلى غير ذلك من التوالي الفاسدة.
والحاصل : أنّه لا يمكن القول باستتباع القبح الفعلي في المتجرّى به للحكم الشرعيّ بوجه من الوجوه.
وأمّا الكلام في الجهة الثالثة ـ وهي الجهة الكلاميّة ـ : فحاصله أنّ المتجرّي مستحقّ للعقاب (١) بعين الملاك الّذي يوجب استحقاق العاصي له ، وذلك لأنّ العقاب لا بدّ وأن يكون على أمر اختياريّ ، وما هو اختياريّ في العصيان والتجرّي هو التجرّي بالمعنى اللغوي ، أي الجرأة على المولى وهتك حرمته ، الّذي يتحقّق بمخالفة القطع سواء صادف الواقع أو لم يصادفه ، ضرورة أنّ المصادفة للواقع وعدم المصادفة له ، أمران خارجان عن تحت اختيار المكلّف ، ولا يترتّب عليهما أثر أصلا ، ولذا نفس مخالفة الحكم الواقعي في ظرف الجهل وعدم الوصول لا يعاقب عليها ، فالعقاب دائما يكون في مرتبة الوصول ، وقبلها قبيح لا يصدر من الحكيم ، ومن البيّن أنّ في هذه المرتبة ما يكون ملاكا لاستحقاق العاصي للعقاب ليس إلّا الجرأة على المولى وهتك حرمته ، وهذا بعينه موجود في المتجرّي ، والعقل حاكم باستحقاق العقاب في المقامين بمناط واحد.
وعلى ذلك لا يبقى مجال لما أفاده في الفصول من تداخل العقابين في فرض مصادفة القطع للواقع ، أحدهما عقاب الإتيان بمبغوض المولى ، والآخر
__________________
(١) أقول : إذا لم يكن المتجرّى به حراما ـ كما اعترف به سيّدنا الأستاذ رحمهالله فمن أين يستحقّ العقاب ويستكشف استحقاقه؟ وأيضا إذا كان المتجرّى به هتكا وتعدّيا على المولى فلما ذا لا يكون حراما؟ (م).