ـ كالعاصي ـ ملتفت إلى أنّ فعله مصداق للهتك والظلم ، فقد هتك عن اختيار والتفات ، وهو كذلك ممّا يستقلّ العقل بقبحه ويدرك أنّه يحقّ أن يذمّ فاعله ، ولو ذمّ فاعله عليه لوقع الذمّ في محلّه. ومن هنا لو اعتقد أحد بأنّ المائع الخارجي ماء وشربه بهذا الاعتقاد ، لم يتّصف فعله وشربه بالقبح ولو كان في الواقع خمرا.
وأقوى شاهد على ما ذكرنا أنّه لم يستشكل أحد من العقلاء ولم يشكّ في اتّصاف الفعل المنقاد به بالحسن واستحقاق المنقاد المدح عليه ، وهل يرضى أحد أنّ من قطع بأنّ مولاه يطلبه في الليل فوافق قطعه ، وذهب إليه في الليلة الباردة المظلمة ، وتحمّل المشاقّ الكثيرة وبعد ذلك انكشف أنّ المولى لم يكن يطلبه ، أنّه لم يفعل فعلا حسنا ولا يستحقّ المدح عليه؟ كلّا بل يراه العقلاء عبدا مطيعا منقادا طالبا لرضا مولاه ، ويمدحونه على هذا الفعل ، ويمدحه مولاه عليه ، بل يثيبه لذلك ، ومن المعلوم أنّ التجرّي والانقياد يرتضعان من ثدي واحد واتّصافهما بالحسن والقبح بمناط فارد.
أمّا الحيثيّة الثانية ـ وهي أنّ هذا القبح العقلي المتّصف به التجرّي هل يستتبع حكما شرعيّا أم لا؟ ـ فالحقّ فيها هو عدم الاستتباع ، وذلك لأنّه لا وجه له إلّا دعوى الملازمة بين حكم العقل والشرع ، وقد حقّقنا في محلّه أنّه لا أساس لهذه القاعدة ، وإن الأحكام تابعة للمصالح والمفاسد الواقعيّة ، والحسن والقبح العقليّين غير ملازمين مع المصلحة والمفسدة.
نعم ، لو أدرك العقل المصلحة الملزمة أو المفسدة كذلك وأحرز أنّه لا مزاحم لها ، فيترتّب عليه ـ لا محالة ـ حكم شرعيّ ، للعلم بوجود ملاكه على الفرض ، وأمّا نفس إدراك الحسن والقبح فلا يترتّب عليه شيء ، بل نقول : إنّ الخطاب الشرعي للمتجرّي ، المستتبع عن قبح المتجرّى به غير معقول ، فإنّه إمّا