من خاف فوات الوقت (١) ، فنفس صفة الخوف لها موضوعيّة للحكم ، ولا يعقل انكشاف الخلاف فيه ، فإنّ الخوف أخذ في الموضوع ، ولا يعتبر الظنّ بالتضيّق ، فإنّه لا ملازمة بينهما ، بل ربما يخاف الإنسان بمجرّد احتمال متساوي الطرفين بل مرجوح ، فبمقتضى بعض الروايات مجرّد حصول الخوف بضيق الوقت ـ سواء حصل الظنّ أم لم يحصل ـ يترتّب عليه حكم ، وهو حرمة تأخير الصلاة ، وحينئذ تبيّن سعة الوقت أو لم تتبيّن يحرم التأخير لمن خاف الضيق ، ضرورة أنّ ظهور سعة الوقت لا يخرج هذا الشخص عن موضوع الحكم وعن كونه مصداقا لمن خاف فوات الوقت قبل ذلك ، فليس فيه انكشاف الخلاف حتى يكون تجرّيا محكوما بالحرمة بحكم الأصحاب.
وهكذا الظنّ بالخطر في السفر له موضوعيّة ليس طريقا له حتى يكون تجرّيا لو انكشف خلافه ، وذلك لأنّ سلوك الطريق المظنون خطره مصداق للإلقاء إلى التهلكة ، ولا يلزم في ذلك ترتّب الهلكة عليه ، كما يقال لمن دخل في معركة القتال : ألقى نفسه في الهلكة ولو سلم ولم تصبه مصيبة أصلا ، فحينئذ نفس حصول الظنّ بالخطر ـ ولو لم يكن خطر واقعا ـ موضوع للحكم بوجوب إتمام الصلاة من جهة كون السفر حينئذ حراما ومعصية.
الثالث : أنّه استدلّ لحرمة التجرّي بالأخبار الدالّة على ثبوت العقاب بنيّة السوء ، وأنّ الله يحاسب الناس على نيّاتهم ، بتقريب أنّ هذه الأخبار وإن كانت معارضة بأخبار أخر دالّة على العفو عن نيّة السوء ما لم يأت بالمنويّ إلّا أنّ طريق الجمع بينهما أن يحمل الطائفة الأولى على النيّة مع الجري على طبقها ، ويحمل الطائفة الثانية على النيّة المجرّدة ، فالجمع بينهما يقتضي حرمة نيّة
__________________
(١) دعائم الإسلام ١ : ٢٠١ ، وعنه في البحار ٨٨ : ١٦٧.