المانع ، فإنّ غاية الأمر إدراك العقل وإحرازه مصلحة شيء أو مفسدته وأنّها مقتضية للوجوب أو التحريم ، أمّا إحراز عدم وجود مانع يمنعها ومزاحم يزاحمها وغير ذلك ممّا له دخل في تأثيرها فلا ، كيف وقد جمع الشارع بين المختلفات وفرّق بين المجتمعات في كثير من الموارد!؟ ومن هنا ورد «أنّ دين الله لا يصاب بالعقول» (١).
الثاني : إدراك العقل حسن شيء أو قبح شيء بمعنى أنّ فاعله أو تاركه ينبغي أن يمدح عليه أو يذمّ عليه ، ومدح الشارع ثوابه كما أنّ ذمّه عقابه.
وهذا المعنى ممّا لا يمكن استتباعه الحكم الشرعي وإحرازه به ، لما تقدّم في بحث التجرّي من أنّ إدراك العقل استحقاق الثواب أو العقاب على فعل شيء أو تركه من المستقلّات العقليّة التي لا تقبل الحكم الشرعي ، وإلّا يلزم التسلسل ، بل هو حكم من الرسول الباطني ـ وهو العقل ـ متمّم ومكمّل للرسالة الظاهريّة ، ولولاه لما ارتدع أحد بردع الشارع ولما انبعث ببعثه ، فهو أمر في طول الحكم الشرعي لا في عرضه ، فظهر أنّ إحراز الحسن والقبح أيضا ممّا لا يمكن إثبات الحكم الشرعي المولويّ به.
الثالث : إدراك العقل أمرا تكوينيّا لا ربط له بالحسن والقبح ولا بالمصلحة والمفسدة ، كإدراكه استحالة اجتماع النقيضين ، مثلا : لو أدرك العقل الملازمة بين وجوب الشيء وطلب مقدّمته ، أو حرمة الشيء وحرمة مقدّمته ، أو وجوب الشيء وحرمة ضدّه ، فقد أدرك أمرا واقعيّا ، كإدراكه استحالة اجتماع النقيضين وارتفاعهما ، وبعد إدراك العقل هذا الأمر التكويني ـ أي الملازمة بين طلب الشيء وطلب مقدّمته مثلا ـ لا يعقل عدم ثبوت الوجوب للمقدّمة أو كونه
__________________
(١) إكمال الدين : ٣٢٤ ـ ٩ ، مستدرك الوسائل ١٧ : ٢٦٢ ، الباب ٦ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٢٥.