والآخر : ما إذا لم يعلم بتماميّة الملاك فعلا ، كما في المستمرّة الدم ، التي تعلم بكونها حائضا في بعض أيّام الشهر ، المردّد بين جميع الشهر ، فإنّ تروك الحائض لا يتحقّق لها ملاك تامّ إلّا بعد تحقّق الحيض ، ففي أوّل الشهر حيث إنّها تحتمل كونها طاهرة لا تعلم بفعليّة حرمة دخول المسجدين واللبث في المساجد مثلا لا خطابا ولا ملاكا.
ولا ريب في تنجيز العلم الإجمالي في جميع الأقسام غير الأخير ، ضرورة أنّه يقبح للمولى الترخيص فيما حرّمه مع عدم رفع اليد عن حكمه بالتحريم حين الترخيص ، كما هو المفروض ، وكذلك يقبح له تفويت الملاك الملزم التامّ الفعلي الواصل إلى المكلّف.
أمّا الأخير : فقد احتمل جريان الأصول فيه ، بل بنى عليه ظاهرا الشيخ (١) قدسسره ، ووافقه صاحب الكفاية (٢) ، نظرا إلى أنّ الشكّ في مثل المقام شكّ بدويّ بالقياس إلى الطرف الأوّل ، إذ المفروض عدم العلم بتوجّه خطاب من المولى فعلا ولا بوجود ملاك تامّ فعلا ، وأنّه ليس في البين إلّا مجرّد احتمال التكليف والملاك ، فلا مانع من الرجوع إلى الأصل الموجود فيه ، وهكذا بالقياس إلى باقي الأطراف.
وخالفهما شيخنا الأستاذ ـ قدسسره ـ في ذلك ، وبنى على تساقط الأصول وقبح الترخيص في جميع الأطراف في الأخير أيضا كسابقه من جهة أنّ العقل ـ الّذي هو حاكم في المقام ـ لا يفرّق بين ما إذا كان الغرض والملاك موجودا بالفعل وبين ما يعلم بوجوده بعد مدّة في قبح تفويته ، بداهة أنّه كما لا يشكّ أحد من العقلاء في أنّ العبد ـ الّذي يعلم بأنّ المولى عطشان فعلا ـ يستحقّ
__________________
(١) فرائد الأصول : ٢٥٥.
(٢) كفاية الأصول : ٤٠٨.