الاجتناب عنه ، بل يجب الاجتناب عن الملاقى وطرفه.
نعم ، لو فرضنا في مورد عارض الأصل في الملاقي أصلا طوليّا آخر في الطرف من أصالة الإباحة أو غيرها ، يجب الاجتناب من هذه الجهة.
وأمّا في المثال الثاني : فإنّ وجوب الاجتناب عن الملاقي دون الملاقى مبنيّ على مبناه ـ قدسسره ـ من أنّ المناط في التنجيز على الكاشف والعلم لا المعلوم والمنكشف (١) ، وقد عرفت عدم تماميّته ، وأنّ العبرة بالمنكشف والمعلوم ، وذكرنا أنّ الميزان في تنجيز العلم الإجمالي أن يكون الشكّ في انطباق المعلوم بالإجمال على المشكوك حدوثا وبقاء ، وأمّا إذا كان الشكّ في التكليف وفي كون شيء نجسا مثلا شكّا في انطباق النجس المعلوم في البين عليه حدوثا ولكنّه انقلب بقاء إلى الشك في أصل حدوث التكليف وتجدّد فرد آخر من النجس غير ما كان موجودا أو مردّدا بين شيئين ، فلا يكون مثل هذا الشكّ منجّزا ولو كان طرفا للعلم الإجمالي.
ومثّلنا له مثالا واضحا ، وهو : أنّا إذا علمنا بوقوع قطرة من البول في الساعة الأولى من النهار في أحد الإناءين : الأبيض أو الأسود ، ثمّ علمنا في الساعة الثانية بأنّ قطرة أخرى من البول وقعت في الإناء الأبيض أو إناء ثالث قبل وقوع القطرة الأولى ، فالإناء الأسود وإن كان طرفا للعلم الإجمالي الأوّل الّذي كان منجّزا حدوثا وكان الشكّ في نجاسته شكّا في الانطباق إلّا أنّه لا يجب الاجتناب عنه ، لانقلاب الشكّ في نجاسته من الشكّ في الانطباق إلى الشكّ في أصل حدوث التكليف ، لانحلال العلم الأوّل بواسطة العلم الثاني المتقدّم معلومه ومنكشفة عنه.
__________________
(١) كفاية الأصول : ٤٠٨.