كانت عشرون موضعا من المسجد نجسة ولم يتمكّن المكلّف من إزالة النجاسة إلّا عن موضع منها ، يجب عليه ذلك ، ولا يجوز ترك هذا المقدار الممكن ، كما هو مقتضى طبع الجاهل ، فإنّه إذا رأى أنّه لا يتمكّن من إزالة النجاسة عن جميع مواضع المسجد ، النجسة العشرة مثلا ، لا يزيل النجاسة عن الموضع الواحد الّذي يمكنه أيضا ، ويلحقه بالباقي.
وبالجملة ، حيث يدور أمر «لا يترك» بين كونه إرشاديّا وكون «ما» كناية عن الكلّي ، وبين كونه مولويّا و «ما» كناية عن المركّب ، ولا ترجيح لأحد الاحتمالين ، تصير الرواية مجملة لا يمكن التمسّك بها.
إن قلت : إذا صدر أمر من المولى ودار أمره بين المولويّة والإرشاديّة ، فلا ريب في حمله على المولويّة ، فلا بدّ من حمل «لا يترك» على المولويّة ، وأنّ المراد من «ما» هو المركّب.
قلت : ظهور الأمر في المولويّة وإن كان لا ينكر إلّا أنّه فيما إذا كان المتعلّق معلوما ، كما في الأمر بأداء الدّين ، الّذي يحتمل أن يكون إرشادا إلى ما استقلّ به العقل من حسن الإحسان في جزاء الإحسان ، لا فيما لم يكن المتعلّق معلوما ، كما في المقام الّذي لا يعلم أنّ أيّ شيء هو نائب فاعل «لا يترك» وبما أنّ هذا الظهور ـ أي ظهور الأمر في المولويّة ـ ليس ظهورا وضعيّا ، لا يمكن أن يثبت متعلّقه ويعيّن أنّه المركّب لا الكلّي.
وممّا يؤيّد كون المراد من لفظ «ما» هو الكلّي دون المركّب : أنّ لازم الأوّل (١) وجوب جزء واحد من مائة جزء إذا كان للمركّب مائة جزء ولم يتمكّن المكلّف إلّا من إتيان جزء واحد منها ، فلا بدّ من تقييد الرواية بما إذا كان الباقي
__________________
(١) أي المركّب.