حركات بالقعود والقيام ، وهي مجتمعة متلاحقة ، وتسكن وتهدأ ، وهي قائمة بأعيانها غير مفترقة ، والأفعال والحركات غير متلاحقة ولا مؤتلفة ، بل هي متصرفة متباينة مختلفة ، بعضها لا يلحق بعضا ، ولا يعلم لها بعد خروجها طولا ولا عرضا ، فاستدللنا بذلك على الفرق بين الأجسام والأفعال ، في كل ما حال من الحال ؛ فلذلك قلنا : إن كل جسم شيء ، وأن ليس بجسم كل شيء ، فلما أن خرج بعض الأشياء من أن ينتظمه اسم الجسم ، ولم يخرج الجسم من أن ينتظمه اسم الشيء في الحكم ؛ قلنا : إن الله سبحانه وتعالى ليس كسائر الأشياء. ولو كان كما يقول المبطلون إنه صورة أو جسم من الأجسام ؛ لكان ذو الجلال والإكرام مشابها لما خلق من الصور والأجسام ، وللحقت به الفكر والأوهام ، ولجرت عليه حوادث الليالي والأيام ، ولكان مضطرا محتاجا إلى المكان ، ولو احتاج إلى المكان ؛ لخلت منه مواضع كثيرة عظيمة الشأن ، ولو كان كذلك ، تعالى الله سبحانه عن ذلك ؛ لما كان كما قال ، وذكر عن نفسه ذو الجلال والجبروت والمحال ، حين يقول : (ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ وَلا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ ما كانُوا) [المجادلة : ٧] ومن خلا منه مكان ، فقد حواه مكان ، ومن حواه مكان ؛ فقد حد بالنواحي والحدود ، وخرج بلا شك من صفة المعبود ، وصار إلى حد المحدودين ، وانتظمه شبه المربوبين ، فتعالى عن ذلك الله رب العالمين ، وتقدس عن مشابهة المخلوقين ، فيا ويل المشبهين للرحمن ، بما خلق وذرأ من الإنسان ، أما يسمعونه كيف نفى ذلك عن نفسه فيما نزله من فرقانه ووحيه ، فقال : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ اللهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ) [الإخلاص] ؛ والأحد فهو : الواحد الذي ليس كمثله أحد ؛ والصمد فهو : الغاية والمقصد ، الذي ليس من ورائه مقصد ؛ والذي لم يلد ولم يولد فهو : الله الذي لم يلد ، فيكون ولده له شبيها ومثلا ، ولم يولد ، فيكون والده له بدءا وأصلا ، بل هو خالق الوالد والأولاد ، وفاطر السماوات والأرض ذات المهاد ؛ ولم يكن له كفؤا أحد ، والكفؤ فهو : المثل والنظير ، والعديل في الكثير كان أو اليسير ، في بعض الأشياء كان أو في كلها ، صغيرها وكبيرها ؛ والأحد فهو : الواحد الذي ليس معه ثان. فكيف يقولون ويلهم في الله بما لا يعلمون ، وقد يرون قوله في نفسه ويسمعون ، فهم في قولهم وافترائهم ، كما قال الله ذو الجلال والجبروت ، وذو العزة والعظمة والملكوت : (وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ