فبهذه الآيات ونحوها علمنا أن الله لا يعذب الأطفال يوم القيامة ، ولا يؤاخذهم بذنوب آبائهم ، ولا بما علم منهم مما لم يفعلوه ، وكذلك أطفال المؤمنين والمشركين ، وأولاد الزنى والمجانين إذا أصابهم الجنون في صغرهم فلم يفيقوا حتى ماتوا ، فتعالى الله عما يقول الجاهلون علوا كبيرا.
باب ذكر (١٤٢) حسن نظر الله لعباده
وذكر الله حسن نظره لعباده وأنه لا يفعل بهم إلا ما هو أصلح لهم في دينهم ودنياهم ، وأن الاختيار له وليس لهم عليه اختيار ، إلا أن اختياره لهم في دنياهم أصوب من اختيارهم لهم ، فقال سبحانه : (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ) [القصص : ٦٨] ، فاخبر أنه ليس لأحد أن يختار غير ما قضى ، وأن الخيرة في قضائه وقدره ، فلو قضى على قوم أن يكفروا كما زعم الجاهلون لم يكن لهم أن يختاروا غير ذلك ، تعالى عما يصفون. وقال : (وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَ) [المؤمنون : ٧١] ، فأخبر أن تدبيره لو كان على ما يهوى العباد لفسدت الدنيا ، وأنه لا يكون صلاح الدنيا وصلاح أهلها إلا بما دبر لهم وخلق وقضى وقدر واختار. وليس في الكفر والمعاصي صلاح ولا منفعة ، ولا خير في دنيا ولا آخرة ، فبين بذلك أنها ليست من اختيار الله لخلقه ؛ لأنها فساد في الدين ، وسوء تدبير ، وفاعلها ملوم مذموم ، وهذا دليل على أنها من فعل المخلوقين لا من فعل رب العالمين. وقال تعالى : (وَالضُّحى وَاللَّيْلِ إِذا سَجى ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى) [الضحى : ١ ـ ٤] ، فاخبر أن الآخرة في وقت وفاة النبي عليهالسلام كانت خيرا له من الدنيا وما فيها ، وبقّاه ما كانت الحياة خيرا له ، وتوفاه حين كانت الوفاة خيرا له ، لذلك قال : (وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى) [الضحى : ٤ ـ ٧]. فعلمنا بهذه الآيات ونحوها أن نظر الله لخلقه أحسن من نظرهم لأنفسهم ، وأن ما صنع الله هو
__________________
(١٤٢) زيادة من (ب).