بسم الله الرحمن الرحيم
(وبه نستعين) (٣٣٥)
المسألة التاسعة عشرة : الفرق بين الجعل التشريعي والجعل التكويني
ثم أتبع ذلك المسألة عن قول الله سبحانه : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْها وَنَسِيَ ما قَدَّمَتْ يَداهُ) ... إلى آخر الآية ، فقال : أخبرونا عن الجعل بالإرادة دون الأمر ؛ فإن أنكروا ، فأخبرهم أن الله يقول : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْها وَنَسِيَ ما قَدَّمَتْ يَداهُ إِنَّا جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً) [الكهف : ٥٧] ، وقال سبحانه : (عَسَى اللهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللهُ قَدِيرٌ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [الممتحنة] ، وفي آيات كثيرة من الكتاب ، فيقال لهم : ما ذلك الذي جعل الله ، وهو كائن كما جعل؟ فإن قالوا : إنما ذلك الدعاء. فقلنا : إن الدعاء قبل ذلك ، فقد دعا العباد جميعا ، وهذا شيء قد خص به من يشاء من خلقه ، ولم يعمهم ؛ لأنه إنما يهتدي من جعل الله في قلبه الهدى ولم يعمهم بالهدى. فإن قالوا : قد نعلم أن الله قد جعل الناس كلهم مهتدين ، ولا نقول إن الله قد جعلهم كفارا. فقل : إن الله يرد عليكم قولكم في كتابه ، فإنه قد قال : (قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللهِ مَنْ لَعَنَهُ اللهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولئِكَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضَلُّ عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ) [المائدة : ٦٠] ، ألا ترى أن الله قد جعل منهم القردة والخنازير؟ فإن زعموا أن الله إنما سماهم بذلك ونسبهم إليه ، وإن أقروا أن الله جعلهم عبدة الطاغوت ؛ فذلك نقض قولهم. وإن قالوا : إن الله لم يجعلهم عبدة الطاغوت ؛
__________________
(٣٣٥) سقط من (ب).