جوابها :
وأما ما سأل عنه من القتال ، فقال : هل أراد الله من المؤمنين أن يقاتلوا الكافرين؟ ومن الكافرين أن يقاتلوا المؤمنين؟ أم أراده من المؤمنين دون الكافرين؟ فبذلك ولله الشكر نقول ، وإليه أمورنا تؤول فنقول :
إن الله شرع حقا ، (وأوجب صدقا ، فدعا إليه الناس ، وكشف عنهم به الالتباس ، ثم أوجب) (٣١٨) على الخلق كلهم الدخول فيه والمقاتلة عليه ، فكل من كان على ما شرعه الله تعالى (٣١٩) من الحق ، فقد أراد الله منه مقاتلة من خالف عنه من الخلق. وإنما أراد سبحانه من عباده أن يقاتلوا على ما رضيه من دينه ، فأما ما لم يرده من أفعال الكافرين ، ولم يشرعه ولم يرضه من عبادة أصنام المشركين فكيف يريد من أصحابه القتال عليه؟ وقد كرهه منهم ، وذمهم على المقام فيه ، ودعاهم إلى الخروج منه. وقد علم كل من كان له علم ، وآتاه الله شيئا من فهم الحكمة ، أن المشركين عن آلهتهم كانوا يدافعون ، وعن دينهم يقاتلون ، وعلى ما كان آباؤهم من القتال يثابرون ، فإن كان الله أراد منهم ذلك وجعلهم فيه كذلك ، فقد ارتضاه ، وعلى الأديان كلها اصطفاه ، كما ارتضى الذي بعث به خاتم النبيين وأراده ، وأمر بالقتال عليه المؤمنين. فإن قالوا : ارتضاه وأراده وأمر بالقتال عليه عباده ؛ كفروا بالرحمن وتابعوا قول الشيطان. وإن قالوا : بل سخطه وشنيئه (٣٢٠) ، وأمرهم لإشقائهم بالمقاتلة عليه ؛ فقد سووا عنده بين ما ارتضاه وبين ما سخطه وأباه. وهل يأمر بحياطة ما لا يريد إلا الجاهل غير الرشيد؟ فإن كان حكم عليهم بعمل الردى لما أراد بهم بزعمهم من الشقاء ، فعلى ما ذا يعذبهم ويشقيهم وفي الحميم يصليهم ، وهم له طائعون ، وفي إرادته منهم متصرفون؟ أهذا عندهم من صواب الحكيم ، العدل في فعله الرحيم؟ بل
__________________
(٣١٨) ساقط من (ب).
(٣١٩) سقطت من (ب).
(٣٢٠) في (أ ، ج) : وسبه.