وشرع خيرا ، وجعل شيئا يستن به فيه ، ومعنى يستن به أن (٤٦٨) يقتدى به فيه ويحتذى. وكذلك وعلى ذلك يخرج معنى قول القائل سن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم كذا وكذا ، يريد أظهر وبين ما جاء به من عند الله.
والسنة فهي الأحكام المبينة ، والفرائض المفصلة ، فهي لله سبحانه ومنه ، لا من رسول الله صلوات الله عليه وآله ولا عنه ، وليس له فيها فعل غير التبليغ والأداء والنصيحة والإبلاء ، والسنة فهي سنة الله عزوجل ، وإنما نسبت إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم على مجاز الكلام ، إذ هو المبلغ لها والآتي عن الله سبحانه بها ، كما يقال للقرآن كتاب محمد ، وكما يقال للإنجيل كتاب عيسى ، وكما يقال للتوراة كتاب موسى ، قال الله سبحانه في ذلك وما كان من الأمر كذلك : (وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً وَهذا كِتابٌ مُصَدِّقٌ لِساناً عَرَبِيًّا) [الأحقاف : ١٢] ، فسماه كتاب موسى ونسبه إليه ، وإنما هو كتاب الله عزوجل الذي نزل على موسى ، وكذلك مجرى السنة في قول القائل سنة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يريد سنة الله ، ومعنى سنة الله فهو فرض الله وحكمه وتبيانه لدينه وعزمه ، قال الله جل جلاله : (سُنَّتَ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ وَخَسِرَ هُنالِكَ الْكافِرُونَ) [غافر : ٨٥] ، يريد سبحانه بقوله : (سُنَّتَ اللهِ) أي : ذكر الله وفعله ، وصنعه في خلقه وأمره.
ومن قال سنة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يريد بها غير ما ذكرنا من المعنى ، أو توهم في ذلك أنه شيء من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لا من الله ، فقد جهل أمر الله ، وحرف معاني تأويل قول الله ، ونسب البهتان إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وقال بأفحش القول في الله سبحانه وفيه.
والسنة فلم تعارض الكتاب أبدا بإبطال لحكم من أحكامه ، ولا أمر من أمره ، ولا نهي من نهيه ، ولا إزاحة شيء من خبره ، ولا رد شيء من منسوخه ، ولا نسخ شيء من مثبته ، ولا إحكام شيء من متشابهه ، ولا تغيير شيء من محكمه ، بل السنة محكمة لكل أمر
__________________
(٤٦٨) في (ب) : أي.