ذلك : «لم يذق عدلنا فنجري عليه حكمنا.».
وإنما أراد بقوله : (عدلنا) أي : تعليمنا وتفهيمنا ، وتوقيفنا له على حلال الله وحرامه ، حتى يعلم ما يجب به عليه القطع من غيره ، وما يجب به عليه الحدود كلها.
وكذلك فعلنا نحن أيضا في بعض ما دخلنا من القرى ، فأتينا بسكران من جانب المسجد ، وكان ذلك في وقت ما دخلنا ، فسألناه عن فعله فذكر أنه لم يعلم أنا نحرم الخمر ، ولا أنا نحد عليها ، ولا أنه يكون منا أدب فيها ، فأزحنا عنه الحد بما أدلى به من جهله ، وعرفنا له الحق علينا من أمره. وذلك أن سيرتنا والواجب علينا إذ دخلنا بلدا أن نكتب كتابا نبين فيه للأمة ما نقيم فيه الحدود عليها ، ثم نقرأه عليها في أسواقها ، ومساجدها ، ومواضعها ، ومجتمعاتها ، فإذا أثبتنا ذلك لها ، وأعذرنا وأنذرنا بالحق إليها ، جرت بعد ذلك أحكام الله سبحانه عليها ، ومضت حدوده سبحانه فيها. وإنما فعلنا ذلك لعلمنا بكثرة الجهال ، وغلبة الضلال ، وقلة الهدى ، وتراكم الغفلة والهوى ، وذلك لفقدان الدعاء ، وعدم أهل التقوى ، وبعد الأئمة الهادين ، وقرب الأئمة الفاسقين ، الذين لا يلزمون أنفسهم تعريف الأمة رشدا ، ولا اكتسابها برا ولا هدى. فلما كانت أئمتهم كذلك ، كانوا هم أشر من ذلك ، فعموا عن الدين ، وجهلوا فروض رب العالمين ، ولم يعلموا حراما من حلال ، من قول ولا فعال. شابهوا أئمتهم في فعلهم ، واقتدوا بهم في أديانهم ، فهم بأديان أئمتهم يقتدون ، وفي عمى كبرائهم يعمهون. لم يروا محدودا على حد فيخافوا ما ناله ، ولم يروا مهتديا فيتبعوا حاله. ضلّال أشقياء ، متجبرون أردياء ، قد غرقوا في الضلال المبين ، وجنبوا عن طريق الحق واليقين. أتباع كل ناعق ، سيقة كل سائق ، لا يعرفون سبيل رشد فيتبعوه ، ولا طريق هلاك فيتجنبوه. قد اتخذهم كبراؤهم سندا ، وجعلوهم لهم يدا ، يطفئون بها نور الهدى ، ويقتلون بها أهل التقوى ، ويظهرون بها الفحش والردى ، ويخملون بها نور الإسلام ، ويظهرون بها أفعال الطغام ، ويحاربون بها من
__________________
الإمام محمد بن ابراهيم عليهالسلام. وكان سياسيا محنكا ، أثنى عليه أئمة أهل البيت وشيعتهم ، ولا يسمع فيه قدح أحد من المنحرفين ، توفي سنة ٢٠٠ ه ، رحمة الله عليه.