لا يوجب حدوث مصلحة أصلا لا في المؤدّى ولا في السلوك : فالتعبّد بالأمارة ـ مع تمكّن المكلّف من الوصول إلى الواقعيّات على ما هي عليها وعلم الشارع بأنّه يصل إليها خارجا لو لم يتعبّده بالأمارة غير العلميّة ـ وإن كان موجبا لتفويت المصالح الواقعيّة والإلقاء في المفاسد الواقعيّة أحيانا ، ويكون لهذا الإشكال وجه بحسب الظاهر ، إلّا أنّ التحقيق أنّه مندفع على هذا المبنى أيضا ، فإنّ تحصيل العلم بالواقعيّات ، فيه عسر نوعيّ ينافي غرض التسهيل على المكلّفين ، وكون الشريعة شريعة سهلة سمحاء ، ففوات المصلحة والوقوع في المفسدة بواسطة التعبّد بالأمارة لا يزاحم المصلحة النوعيّة التي هي عدم التشديد على المكلّفين ، والتسهيل عليهم ، فللشارع التعبّد بالأمارة لمكان العسر في تحصيل العلم على نوع الناس ، أي العسر الّذي لا يريد الشارع إيقاع المكلّفين فيه ، مراعاة لهذه المصلحة النوعيّة ، ونظيره كثير في أحكام الشريعة.
منها : مسألة نجاسة الحديد ، التي رفعت ـ بمقتضى بعض الأخبار (١) ـ عن الأمّة ، لمكان العسر الشديد في الاجتناب عنه ، فإنّه محتاج إليه غالبا.
ومنها : مسألة السواك ، فإنّه روي عن النبي صلىاللهعليهوآله أنّه قال : «لو لا أن أشقّ على أمّتي لأمرتهم بالسواك» (٢) وغير ذلك من الموارد التي رفع التكليف ـ الّذي فيه عسر لنوع الناس ـ فيها ولو كان موجبا لتفويت المصلحة أو الإيقاع في المفسدة ، لمعارضتها لما هو أقوى منها ، وهي مصلحة التسهيل ، ومن الضروري أنّه لا قبح في مثله أصلا ، فليكن التعبّد بالأمارة حال انفتاح باب العلم ـ مع علم الشارع بأنّ المكلّف يصل إلى الواقع لولاه ـ من هذا القبيل. هذا مضافا
__________________
(١) انظر الفقيه ١ : ٣٨ ـ ١٤٠ ، والتهذيب ١ : ٣٤٦ ـ ١٠١٢ و ١٠١٣ ، والاستبصار ١ : ٩٥ ـ ٣٠٨ و ٣٠٩ ، والوسائل ٣ : ٢٨٥ ، الباب ٨٣ من أبواب النجاسات ، الحديث ١ و ٢.
(٢) الفقيه ١ : ٣٤ ـ ١٢٣ ، الوسائل ٢ : ١٧ ، الباب ٣ من أبواب السواك ، الحديث ٤.