والكذب ، فكيف يكون علّة للقطع بالنسبة لوجودها في عالم النّفس والذهن!؟إذ ليس الكلام في المتواتر والمحفوف بالقرائن القطعيّة حتى يوجبا القطع ، بل الكلام في الخبر الواحد ، ومن الواضح أنّه يحتمل الكذب ، فلا تثبت به السنّة في عالم النّفس ، والظاهر أنّه لم يرد بالثبوت الثبوت الواقعي ، بل الثبوت التعبّدي ، وحينئذ يرد عليه :
أوّلا : أنّ البحث عن الثبوت ـ الّذي مرجعه إلى أنّه هل خبر الواحد كالسنّة عند الشارع؟ وهل يكون منزّلا منزلتها في وجوب العمل؟ ـ بحث عن أحوال الخبر الحاكي وعن عوارضه ، ولا يكون بحثا عن السنّة.
وثانيا : أنّ الملاك في المسائل ما يبحث عنه في العلم مطابقة ، لا ما يبحث عنه التزاما ، والمبحوث عنه في الأصول مطابقة ليس هو حجّيّة السنّة ، بل حجّيّة الخبر. هذا.
وقد أجاب عن الإشكال بعض (١) المحقّقين : بأنّه في كلّ تنزيل لا بدّ من منزّل ومنزّل عليه وجهة التنزيل ، والمنزّل في المقام هو الخبر الواحد ، والمنزّل عليه هو السنّة ، وجهة التنزيل هي الحجّيّة ، وحينئذ كما يمكن أن يقال في التنزيل : هل نزّل الخبر منزلة السنّة في تلك؟ كذلك يمكن أن يقال : هل السنّة منزّل منزلتها شيء في الحجّيّة وهو الخبر ، أم لا؟ كما أنّه في قولنا : «زيد كالأسد» يمكن أن يقال : زيد شبّه بالأسد في الشجاعة ، ويمكن أن يقال : الأسد شبّه به زيد في الشجاعة ، وحينئذ فالبحث على النحو الأوّل وإن لم يكن من المسائل ، لكونه بحثا عن أحوال الخبر ، إلّا أنّه على النحو الثاني بحث عن أحوال السنّة ، فيكون من المسائل.
__________________
(١) نهاية الدراية ١ : ٣٧ و ٢ : ١٩٩ ـ ٢٠٠.