وأمّا المقدّمة الثالثة فنجيب عنها نقضا وحلّا (١) :
أمّا نقضا : فهو : أنّ لازمها جريانها في الواجبات أيضا ، والقول بأنّ متعلّق التكليف في الواجبات هو اختيار الصلاة في الوقت أو اختيار الصوم في شهر رمضان مثلا ، فلو علم قبل الظهر بدخول الوقت وصلّى ، أتى بوظيفته ، وهكذا لو علم بأنّ اليوم من أيّام شهر رمضان مع أنّه مع الشوّال وأفطر ، تجب عليه الكفّارة ، ولو صام باعتقاد أنّه من رمضان ، امتثل أمر (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ)(٢) وهو خلاف الإجماع والضرورة ، إذ لم يقل أحد بالإجزاء في الحكم الواقعي وإن اختلفوا في الأحكام الظاهريّة.
وأمّا حلّا : فهو أنّ ظاهر خطاب «لا تشرب الخمر» وأمثاله هو أنّ شرب الخمر الواقعي متعلّق للنهي ، غاية الأمر أنّه يقيّد بالاختياريّ إمّا من جهة حكم العقل بقبح خطاب العاجز أو لأجل اقتضاء نفس الطلب ذلك ، أي تقييد متعلّقه ، فمتعلّق التكليف هو الشرب الاختياري لا اختيار الشرب. وبعبارة أخرى : متعلّق النهي هو الاختيار بنحو المعنى الحرفي لا الاسمي.
والحاصل : أنّ الأحكام تابعة للملاكات والمصالح الواقعيّة النّفس الأمريّة ، والمفسدة قائمة بالشرب الاختياري لا باختيار الشرب ، فكم فرق بين العاصي والمتجرّي ، فإنّ الأوّل بشرب الخمر أتى بما هو مبغوض للمولى وذو مفسدة عن إرادة واختيار ، بخلاف الثاني ، فإنّه أراد ما هو مبغوض للمولى وذو مفسدة ملزمة لكنّه لم يصدر عنه واختار شرب الخمر ولم يشرب.
هذا كلّه لو قلنا بأنّ متعلّق التكليف مقيّد بالاختياريّ والمقدور بأحد الوجهين ، أمّا لو قلنا بما هو المختار ـ كما حقّقناه في بحث التعبّدي والتوصّلي ـ
__________________
(١) كذا ، ولكن ما يأتي يرد على الأولى لا الثالثة.
(٢) البقرة : ١٨٥.