الثالثة : أنّ طلب المولى وإرادته التشريعيّة هو الّذي يحرّك إرادة العبد ويجعل الداعي له ، فكأنّ المولى في مقام الطلب يفرض أعضاء العبد أعضاء نفسه ويحرّك إرادته نحو مطلوبه.
ويترتّب على هذه المقدّمات أنّ ما هو متعلّق للنهي في مثل «لا تشرب الخمر» هو اختيار ما علم أنّه شرب الخمر ، صادف الواقع أم لم يصادف ، فإنّ وجود الخمر وخمريّة المائع لا يكون تحت اختيار العبد ، والعلم بالملائم والمنافر وإدراكهما موجب للميل إليه أو الميل عنه ، لا وجود الملائم والمنافر في الواقع ونفس الأمر ، فالعلم بخمريّة المائع موجب لانبعاث العبد ، ومصادفة هذا العلم للواقع وعدمها حيث لا يكونان تحت اختياره فهما خارجان عن حيّز التكليف ، وما يكون تحت سلطة العبد وقدرته واختياره ليس إلّا اختيار شرب الخمر المعلوم له ، أي : ما علم أنّه خمر ، وهذا المعنى مشترك بين المتجرّي والعاصي ، فإنّ العاصي كما أنّه يختار شرب ما علم بخمريّته كذلك المتجرّي أيضا يختار شرب ما علم بخمريّته ، غاية الأمر أنّ المتجرّي لم يصادف علمه الواقع ، فمثل «لا تشرب الخمر» وغيره من الإطلاقات الأوليّة يشمل ما قطع بحرمته ولو لم يصادف الواقع.
هذا ، ولا ريب في تماميّة المقدّمة الأولى لكن لا يتفرّع عليها بطلان الواجب التعليقي ، كما أفاده شيخنا الأستاذ (١) ، وقد أثبتنا ذلك في محلّه.
وهكذا لا شكّ في تماميّة المقدّمة الثانية ، وهي غير قابلة للإنكار ، ولا يرد عليها ما أورده شيخنا الأستاذ من أنّ العلم بما هو طريق إلى الواقع موجب للحركة (٢) ، فإنّه ضروري البطلان ولا يحتاج إلى البيان.
__________________
(١) أجود التقريرات ٢ : ٢٣.
(٢) أجود التقريرات ٢ : ٢٤.