بالمعنى الّذي ذكرنا ـ وهو التحفّظ العملي والتحرّز الخارجي ـ يكون تحت اختيار المكلّف ، فيتعلّق التكليف به يقينا ، لأنّه الغرض الأصلي من وجوب الإنذار ، فهو أولى بتعلّق التكليف الوجوبيّ به ، وأنّ ظاهر قوله تعالى : (لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا) إلى آخره هو العامّ الاستغراقي (١) ، كما هو مقتضى مقابلة الجمع بالجمع ، نظير قوله تعالى : (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ)(١) فإنّه ليس المراد أنّكم جميعا اغسلوا وجه الكلّ ، بل المراد أنّ كلّ أحد يغسل وجهه ويده ، فليس المراد أنّ المتفقّهين جميعا يجب أن يجتمعوا في محلّ واحد وينذروا قوما واحدا حتى يحصل التواتر بسبب إنذار الجميع ، بل المراد أنّ كلّ واحد من المتفقّهين يرجع إلى قومه وينذرهم ، ومن المعلوم أنّ خبر الواحد بحسب طبعه لا يفيد العلم.
ومقتضى جميع ما ذكرنا : أنّ الحذر والتحفّظ والتحرّز عن المحذور واجب عند إنذار من نفر وتفقّه في الدين ، فالآية تدلّ على حجّيّة خبر الواحد (٢)
__________________
(١) أقول : دلالة الآية ـ بمقتضى مقابلة الجمع بالجمع ـ على العموم الاستغراقي لا ريب فيها إلّا أنّ هذا الأمر ليس من مقدّمات الاستدلال ، فإنّه يمكن مع العامّ المجموعي أيضا ، فإنّ حصول العلم والتواتر ليس من لوازم العامّ المجموعي ، بل هو مطلق بالنسبة إلى حصول العلم وعدمه ، فيتمسّك بإطلاق العامّ المجموعي فلا يضرّ بالاستدلال. (م).
(٢) المائدة : ٦.
(٣) أقول : التحذّر من الحذر والحذر ، ومن معاني الحذر الاحتياط ، كقوله تعالى : (خُذُوا حِذْرَكُمْ) النساء : [٧١ و ١٠٢] أي اسلكوا طريق الاحتياط كما قيل ، ومعناه هو الاحتياط عند إنذار المنذر بحيث لا يقع المنذر ـ بالفتح ـ في خلاف الواقع ، كما في موارد العلم الإجمالي ، وهذا المعنى غير حجّيّة الخبر الواحد ، فإنّها تعني أنّ المخبر إذا أخبر بوجوب شيء يجب الأخذ به ويجوز الفتوى بمضمونه.
نعم ، للتحذّر معنى آخر ينطبق على حجّيّة الخبر ، فلسان الآية بالنسبة إلى المدّعى مجمل ، لاحتمال أن يكون المدلول هو وجوب الاحتياط عند الإنذار ، أو حجّيّة الخبر ، ـ