بالتكليف أيضا.
وبذلك ظهر : أنّ ما أفاده صاحب الكفاية في المقام ـ من أنّ العقل وإن لم يكن مستقلّا بصحّة العقاب إلّا أنّه لا يكون مستقلّا بعدم صحّة العقاب أيضا ، فيكون العقاب محتملا ، فيجب دفعه (١) ـ لا أساس له ، لما عرفت من أنّ العقل ـ بمقتضى قاعدة قبح العقاب بلا بيان ، العقليّة ـ يستقلّ بعدم صحّة العقاب ما لم يصل التكليف إلى المكلّف ولم يبيّن له.
وظهر أيضا أنّ الملازمة المذكورة ليست بين مخالفة التكليف الواقعي والعقاب ، وإنّما الملازمة بين مخالفة التكليف الواصل إلى المكلّف والمبيّن له وبين العقاب الأخروي.
وإن كان المراد منه هو المفسدة الموجودة في متعلّق التكليف ، ففيه ـ مضافا إلى أنّ الدليل يكون أخصّ من المدّعى ، فإنّه لا يجري في الواجبات ، إذ ليس في تركها إلّا فوت المصلحة ، ومن المعلوم أنّه غير الضرر والمفسدة ، وهكذا لا يجري في المحرّمات التي هي تابعة للمفاسد النوعيّة ، كالكذب والغيبة وغيرهما ممّا لا يكون ملاك حرمته مفسدة شخصيّة مترتّبة على فعله ، عائدة إلى نفس الفاعل ـ أنّه لا دليل على وجوب دفع هذا الضرر المظنون بحيث يترتّب على مخالفته ـ مضافا إلى وقوع المكلّف في مفسدة الفعل ـ عقاب أخرويّ ، ولا تثبت حجّيّة الظنّ ووجوب العمل به إلّا إذا كان بحيث يصحّ للمولى العقاب على مخالفته ، ومن المعلوم أنّه لا دليل لا عقلا ولا شرعا على وجوب دفع الضرر المظنون الدنيوي ، بل في مقطوعه أيضا كلام وإشكال على إطلاقه ، نعم في بعض موارده ـ مثل القطع بالهلاك وما يشبهه ـ لا إشكال فيه ،
__________________
(١) كفاية الأصول : ٣٥٤.