وقد مرّ أنّه على فرض تسليمه وعدم حجّيّة الظواهر لمن قصد إفهامه لا يمكن إنكار حجّيّة ظواهر الأخبار لنا ، فإنّا مقصودون بالإفهام ، لأنّ الراوي الأوّل الّذي سمع من الإمام كان مقصودا بالإفهام ، والراوي الثاني كان مقصودا بالإفهام للراوي الأوّل ، والراوي الثالث كان مقصودا بالإفهام للراوي الثاني وهكذا إلى أن تصل النوبة إلى أرباب الكتب المعتبرة ، كالصدوق والكليني وغيرهما ، والمقصود بالإفهام لهؤلاء هو كلّ من راجع كتبهم ، فنحن أيضا مقصودون بالإفهام كمن يتحمّل الرواية من الإمام عليهالسلام ، فلا ريب في حجّيّة الأخبار الموثوق الصدور لنا ، ولا مجال للخدشة فيها لا سندا ولا ظهورا ، وبعد ذلك لا وجه لدعوى انسداد باب العلمي ، لانحلال العلم الإجمالي بما في الأخبار من التكاليف.
ولو فرض أنّ المعلوم بالإجمال أكثر ممّا في الأخبار من التكاليف ، ومقتضاه لزوم الاحتياط في جميع الأمارات ، فنقول : حيث إنّ الاحتياط في جميع الأطراف لا يمكن والفقيه مضطرّ إلى ترك بعض الأطراف ، فالاضطرار إلى ذلك يوجب الانحلال بما في الكتب ، وهذا بناء على ما ذهب إليه صاحب الكفاية من انحلال العلم الإجمالي بذلك (١) ، أمّا بناء على عدم الانحلال ، كما ذهب إليه شيخنا الأستاذ (٢) قدسسره وفاقا للشيخ (٣) ، فلا يأتي هذا الجواب.
وأمّا المقدّمة الثالثة ـ وهي أنّا لسنا بمهملين كالبهائم بحيث نفعل ما نشاء ونترك ما نشاء ، بل لا بدّ لنا من التعرّض للأحكام الثابتة في الشريعة ـ فهي مسلّمة ، ولازمها الاحتياط ولو قلنا بمقالة صاحب الكفاية من أنّ العلم الإجمالي
__________________
(١) كفاية الأصول : ٤٠٨ ـ ٤٠٩.
(٢) أجود التقريرات ٢ : ٢٦٧ ـ ٢٦٨.
(٣) فرائد الأصول : ٢٥٤.