هَداهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ)(١) و «ما كان زيد يفعل كذا» ـ هو أنّ التعذيب مع عدم إتمام الحجّة وبعث الرسول لا يليق بنا وبعيد عن ساحتنا ولا يناسب مقام رأفتنا ، فالآية ـ على ذلك ـ تدلّ على أنّ التعذيب مع عدم إتمام الحجّة والبيان لا يناسب مقام الربوبي ، ولا يصحّ على الله تبارك وتعالى.
وبهذا التقريب الّذي قرّبناه يندفع ما قيل من أنّ ظاهر الآية هو الإخبار بعدم فعليّة العذاب ووقوعه على الأمم السالفة بعد إتمام الحجّة ، فيختصّ بالعذاب ، الدنيوي ، ولا يشمل العذاب الأخروي الّذي هو محل الكلام.
وهكذا يندفع ما أورد في المقام من أنّها لا تدلّ على عدم استحقاق العذاب ، الّذي نحن بصدده ، بل تدلّ على عدم فعليّة العذاب مع عدم البيان.
ووجه الاندفاع : ما عرفت من أنّ تركيب (ما كُنَّا مُعَذِّبِينَ) وأمثاله ممّا وقع لفظ «كان» في حيّز النفي ظاهر في عدم صحّة صدور الفعل عمّن نفي عنه ، لا عدم صدوره عنه خارجا ، فظاهر الآية أنّه لا يصحّ على الله تعالى العذاب مع عدم إتمام الحجّة ، لا أنّه لا يعذّب.
فلا يرد الإشكال الثاني ، لأنّ المنفي صحّة العذاب لا فعليّته ووقوعه خارجا ، ومن الواضح أنّه يصح مع الاستحقاق ، فعدم صحّة العذاب مختصّ بصورة عدم استحقاق المكلّف للعذاب.
ولا يرد الإيراد الأوّل أيضا ، لعدم الفرق بين الأمم في صحّة العذاب وعدمها مع عدم البيان ، ولا بين الدنيويّ منه والأخروي بعد ما أنكرنا ظهور الآية في عدم وقوع العذاب على الأمم السالفة مع عدم البيان ، وأثبتنا ظهورها في عدم صحّته مع عدم البيان.
__________________
(١) التوبة : ١١٥.