وتقريب الاستدلال يستدعي تقديم مقدّمة ، وهي : أنّ أمر الحكم ـ واقعيّا كان أو ظاهريّا ـ بيد الشارع من حيث الوضع والرفع ، فله رفع الحكم الواقعي واقعا كما أنّ له وضعه ، وكما أنّ له أن يجعل حكما ظاهريّا إلزاميّا ، كإيجابه الاحتياط ، أو ترخيصيّا ، كقوله عليهالسلام : «كلّ شيء لك حلال» (١) إلى آخره في ظرف الشّك في الحكم الواقعي على ما بيّنّا في المباحث السابقة من عدم التنافي بين الحكم الظاهري والواقعي ، كذلك له أن يرفع الحكم الواقعي ظاهرا في ظرف الشكّ في الحكم الواقعي ، وتكون نتيجة هذا الرفع عدم إيجاب الاحتياط ، والترخيص الظاهري في ارتكاب الشبهة والاقتحام فيها ، وعدم التضييق على المكلّفين بإلزامهم على حفظ الملاكات الواقعيّة ، فإنّ رفع اليد عن الإلزام الواقعي ظاهرا لا يكون ترخيصا ظاهريّا لكنّه يلازم ذلك ولا ينفكّ عنه.
إذا عرفت ذلك ، فنقول : إنّ ظاهر الحديث أنّ الرفع وارد على «ما لا يعلمون» والمراد من الموصول هو نفس الأحكام الواقعيّة ، فإنّها هي المجهولة لنا ، وحينئذ يكون مقتضى الحديث الشريف مرفوعيّة كلّ ما هو مجهول لنا من الأحكام ظاهرا لا واقعا ، فإنّ رفع الحكم الواقعي واقعا في ظرف الجهل به ينافي ما عليه العدليّة من اشتراك الأحكام بين العالمين بها والجاهلين ، فما هو المرفوع نفس الأحكام الواقعيّة المجهولة لا إيجاب الاحتياط ـ كما يظهر من الشيخ (٢) قدسسره ـ وإن كانت نتيجته هو عدم إيجاب الاحتياط ، والترخيص الظاهري وعدم المؤاخذة على الاقتحام ، إذ لا فرق بين الترخيص الواقعي
__________________
ـ جهاد النّفس ، الحديث ١.
(١) الكافي ٥ : ٣١٣ ـ ٤٠ ، التهذيب ٧ : ٢٢٦ ـ ٩٨٩ ، الوسائل ١٧ : ٨٩ ، الباب ٤ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث ٤.
(٢) فرائد الأصول : ١٩٧.