إلى الحرام لا إلى ما هو حرام ـ كما في رواية مسعدة بن صدقة ، فإنّ فيها «حتى تعرف أنّه حرام بعينه» ـ هو اختصاص الحكم بالشبهات الموضوعيّة ، إذ الحرام هو الذات الخارجي كالخمر ، لا الحكم التحريمي ، وكم فرق بين قوله : «حتى تعرف الحرام» وقوله في الرواية الأولى : «حتى تعرف أنّه حرام» فإنّ متعلّق العرفان في الأوّل هو نفس الذات الخارجي المحكوم بالحرمة ، وفي الثاني هو حرمة الذات الخارجي.
ثمّ إنّ الشيخ ـ قدسسره ـ التزم بأنّ الرواية الأخيرة ظاهرة في الشبهات الموضوعيّة ، لأنّ لفظ «شيء» إمّا أن يراد منه الفرد الخارجي ، فلا بدّ من الالتزام بالاستخدام ، ويكون المعنى : كلّ شيء خارجي كان في نوعه حلال وحرام فهو لك حلال ، أو يراد منه المفهوم الكلّي ، فيكون المعنى : أنّ كلّ نوع كان بعض أفراده حلالا وبعضها حراما فالمشكوك لك حلال. وعلى كلّ تقدير الرواية ظاهرة في التقسيم الفعلي ، وهو لا يمكن إلّا في الشبهات الموضوعيّة ، وأمّا الشبهات الحكميّة فالتقسيم فيها ووهميّ ، أي ليس فيها إلّا احتمال الحلّيّة والحرمة ، ضرورة أنّ شرب التتن ليس له قسمان : قسم حلال وقسم حرام (١).
ورجّح شيخنا الأستاذ الاحتمال الأوّل ، وهو احتمال إرادة الفرد الخارجي بدعوى أنّ الشيء مساوق الوجود ، فالمراد منه هو الموجود الخارجي ، وحينئذ لا بدّ من ارتكاب أحد أمرين كلّ منهما خلاف الظاهر : إمّا الالتزام بالاستخدام وحفظ ظهور التقسيم في كونه فعليّا ، أو رفع اليد عن هذا الظهور وعدم الالتزام بالاستخدام والقول بأنّ المراد هو التقسيم الوهمي واحتمال الحلّيّة والحرمة ، ولا ريب أنّ الثاني أهون من الأوّل ، فلا مانع من
__________________
(١) فرائد الأصول ٢٠٠ ـ ٢٠١.