المولى بشيء ولو بلغ من القوّة ما بلغ ما لم يبرز بمبرز خارجي لا يقتضي تحريك العبد وانبعاثه إليه ـ فإنّ الإنسان لا ينبعث إلّا عن البعث بوجوده العلمي الّذي هو طريق إلى وجوده الخارجي ، ولذا لا يهرب عن حيّة تكون في بيته ، ولا يحترز عن بئر في طريقه ما لم يحصل له العلم بذلك ، وربّما يموت عطشا مع وجود الماء عنده ، ومع عدم إمكان الانبعاث عن بعث المولى وإرادته غير المبرزة بمبرز خارجي يكون العقاب على مخالفته عقابا بلا مقتض ، وغير صالح على المولى الحكيم ، لقبحه ـ كذلك إذا جعل التكليف ولم يوضع في موضع يمكن للمكلّف أن يصل إليه ويعلم به ، يكون العقاب على مخالفته قبيحا وبلا مقتض ، والعقل يستقلّ بعدم صدوره عن الحكيم ، فإنّه لا يفعل القبيح ، لما عرفت من أنّ الانبعاث لا يمكن إلّا عن البعث الواصل ، فإذا كان عدم الوصول لمانع من غير ناحية العبد ولقصور في وظيفة المولويّة ، فلا يمكن مؤاخذة مثل هذا العبد على مخالفة مثل هذا التكليف ، على المولى الّذي قصّر في وظيفته.
والحاصل : أنّ قبح العقاب بلا بيان ممّا لا شكّ فيه ولا شبهة تعتريه ، فإنّه عقاب بلا مقتض ، لما عرفت من أنّ مجرّد وجود التكليف واقعا ما لم يكن بحيث يمكن للعبد عادة الوصول إليه لا يقتضي التحرّك.
نعم ، لو كان التكليف بحيث يمكن للعبد أن يصل إليه بالفحص في مظانّه ولم يفحص ، فلا يقبح العقاب على مخالفته ، فإنّ المولى لم يقصّر في وظيفته وإنّما العبد لم يعمل بوظيفته من الفحص ، ولذا لا نقول بالبراءة في الشبهات قبل الفحص أو المقرونة بالعلم الإجمالي ، والعقلاء عند ذلك لا يأمنون من العقاب ، بل إمّا يحتاطون ولا يرتكبون ما يحتملون حرمته ، أو يفحصون حتى يحصل لهم الأمن بأنّ المولى لا يعاقبهم ـ من جهة أعمالهم