وبعبارة أخرى : مورد تلك القاعدة وصول التكليف ، ومورد قاعدة قبح العقاب بلا بيان عدم وصول التكليف ، فتختلفان موردا ، فكيف يكون ما مورده الوصول بيانا لما يكون مورده عدم الوصول!؟
هذا ، مضافا إلى أنّ الوجوب في القاعدة إمّا نفسي ، أو طريقي ، أو إرشادي ـ وهو الصحيح (١) ـ وعلى كلّ تقدير لا يمكن أن تكون بيانا.
أمّا على تقدير كونه إرشاديّا : فواضح ، إذ لا يترتّب عليه إلّا ما يترتّب على المرشد إليه.
وأمّا على تقدير كونه وجوبا نفسيّا ـ فمع كونه باطلا ، لأنّه يلزم منه أن يكون مرتكب خلاف التكليف المحتمل أسوأ حالا من العاصي ، إذ يكون معاقبا ولو لم يكن تكليف واقعا ـ لا يعقل كونها بيانا ، لما عرفت من أنّ موضوعها احتمال الضرر ، الملازم لوصول التكليف ، الّذي هو المراد من البيان ، ومن الواضح أنّ الحكم لا يحقّق موضوع نفسه ، فإنّ مرتبته متأخّرة عن الموضوع نحو تأخّر المعلول عن علّته التامّة ، فلا يعقل إحراز موضوع القاعدة ـ وهو البيان ـ بنفسها.
وأمّا على فرض كونه طريقيّا نظير إيجاب الاحتياط ـ فمع أنّه خلاف
__________________
(١) أقول : الوجوب في قاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل هو بالمعنى الّذي في حكم العقل بوجوب إطاعة المولى في أوامره القطعيّة ونواهيه كذلك ، فكما أنّ معنى الوجوب هناك ليس إلّا دركه الملازمة بين المخالفة واستحقاق العقاب ، وليس له حكم بالفعل أو الترك كذلك فيما نحن فيه.
وبعبارة أخرى : في مورد الشبهة البدوية قبل الفحص لا يحكم العقل بفعل محتمل الوجوب وترك محتمل الحرمة ، بل يرى الملازمة بين عدم الاحتياط واستحقاق العقاب عند تحقّق المخالفة للواقع ، فعليه لا معنى لحمل الوجوب على الإرشاد ، فإنّ الإرشادية والمولويّة والنفسيّة والطريقية والغيريّة كلّها من أقسام الوجوب الشرعي دون العقلي ولا موضوع لها فيما نحن فيه. (م).