المكلّف بعد إتيان صلاة الظهر ـ مثلا ـ أيضا يعلم إجمالا بأنّ الواجب في يوم الجمعة في الشريعة المقدّسة أحد أمرين : إمّا الظهر أو الجمعة ، غاية الأمر أنّ الإتيان بالظهر صار سببا لسقوط التكليف الثابت بمقتضى العلم الإجمالي بالنسبة إلى هذا الطرف في مقام الامتثال.
وهكذا الكلام في الخروج عن محلّ الابتلاء والاضطرار.
وأمّا على مسلك جعل الحكم المماثل : فربما يتوهّم ورود الإشكال المتقدّم عليه أيضا من جهة أنّ الأمارات على ذلك لا تكون بيانا للواقع وناظرة إليه ، فالعلم الإجمالي بوجود التكاليف الواقعيّة باق ومنجّز لها.
والجواب هو الجواب عن الإشكال المتقدّم ، فلا نعيده.
ثمّ إنّه ربّما استدلّ بدليل عقلي آخر (١) ، وحاصله : أنّ الأصل في الأشياء ـ مع قطع النّظر عن شرع وشريعة ـ هو الحظر والحرمة في غير الضروريّات من الأفعال ، وذلك لأنّ الأشياء كلّها ملك لله تبارك وتعالى وتحت سلطانه ، ولا يجوز التصرّف في ملكه وسلطانه تعالى إلّا بمقدار الضرورة ، فإذا ورد الشرع ، فما أبيح من الأشياء وعلمت إباحته فهو ، وما لم يبيّن ولم تعلم إباحته فيبقى تحت الأصل المذكور ، والشبهات البدويّة لم يثبت من الشرع جواز الاقتحام فيها ، فإنّ الأخبار الدالّة عليه معارضة بأخبار الاحتياط ، والمرجع بعد المعارضة والتساقط هو الأصل الأوّلي وهو الحظر.
وفيه : أوّلا : أنّ هذه المسألة ليست باتّفاقية ، بل ذهب بعض إلى أنّ الأصل هو الإباحة ، فلا ينبغي جعل مثلها دليلا.
وثانيا : أنّ الموضوع في المسألتين مختلف ، فإنّ موضوع الحكم العقلي
__________________
(١) فرائد الأصول : ٢١٤.