والاستحباب ، فإنّ المطلوبيّة متيقّنة ، فيمكن إتيانها بداعي المطلوبيّة بلا قصد الوجوب أو الندب ، وقصد الوجه ـ مضافا إلى أنّه لا دليل على لزومه ـ معتبر بعد التسليم فيما إذا أمكن بأن كان الوجوب أو الاستحباب متيقّنا ، أمّا في فرض عدم الإمكان ـ كالمقام ـ فلا معنى لاعتباره أصلا ، فحينئذ يأتي المكلّف بالسورة المردّدة بين الوجوب والاستحباب بداعي الأمر المتعلّق بها ضمنا أيّا ما كان ، وهكذا يدعوا المكلّف عند رؤية الهلال بداعي أمره الاستقلالي أيّا ما كان.
وإنّما الإشكال فيما إذا تردّد أمر المشتبه بين الوجوب وغير الاستحباب من الإباحة والكراهة ، حيث إنّ المطلوبيّة غير متيقّنة ، ولا بدّ في العبادة من نيّة القربة ، وهي متوقّفة على العلم بتعلّق الأمر بها ، ولا يكفي حسن الاحتياط عقلا في رفع الإشكال ، فإنّ حسنه فرع إمكانه ، والكلام في إمكانه.
فالأولى في الجواب أن يقال : أمّا على مسلك صاحب الكفاية ـ قدسسره ـ من أنّ القربة المعتبرة في العبادة ليست ممّا يتعلّق بها الأمر ، بل ممّا يعتبرها العقل لأجل العلم بأنّ الغرض لا يحصل بدونها (١) : فواضح ، إذ المأمور به على هذا ليس إلّا ذات الفعل ، وليس قصد القربة من أجزائه أو شرائطه ، غاية الأمر أنّه لا بدّ من إضافة الفعل إلى الله تعالى حتى يكون مقرّبا وعبادة ، ومن المعلوم أنّ إتيان محتمل الوجوب بتمام أجزائه وشرائطه إتيان للمأمور به الواقعي على تقدير وجوده ، والإضافة تتحقّق بالإتيان بداعي احتمال المطلوبيّة ، فإذا أتى بهذا الداعي فقد أتى بالمأمور به وأضافه إلى المولى أيضا ، ولا يعتبر في العبادة أزيد من هذين الأمرين.
وأمّا على مسلك شيخنا الأستاذ ـ قدسسره ـ من إمكان اعتبار قصد الأمر في
__________________
(١) كفاية الأصول : ٤٠٠.