لا يعطى إلّا على ما أتي بقصد القربة ، فبذلك نحكم بأنّ مجرّد العمل البالغ عليه الثواب لا يعطى عليه الثواب ما لم يقصد به القربة.
لا يقال : إنّ العمل في الرواية فرّع بفاء التفريع ـ الدالّة على أنّ ما بعدها مسبّب عمّا قبلها ـ على البلوغ ، وهو يوجب كون الثواب مترتّبا على المأتيّ برجاء إدراك الواقع ، ضرورة أنّ الداعي إلى العمل على هذا لا بدّ وأن يكون البلوغ ، والمفروض أنّ ما بلغ إليه أمر احتمالي ، فلا بدّ من الإتيان برجاء إدراك الواقع وباحتمال الأمر حتى يتحقّق العمل بما بلغ ويترتّب عليه الثواب.
فإنّه يقال : لا ريب في أنّ المحرّك والداعي إلى العمل هو البلوغ ، ولولاه لم يكن يأتي المكلّف به ، كما أنّ محرّكه إلى صلاة الليل ـ التي استحبابها قطعيّ ـ أيضا هو بلوغ الثواب إليه غالبا إلّا أنّ بلوغ الثواب محرّك للعبد نحو العمل البالغ عليه الثواب ، لا أنّه محرّك نحوه رجاء لإدراك الأمر.
والحاصل : أنّ الرواية مطلقة لم يقيّد العمل فيها بكونه لا بدّ وأن يكون برجاء إدراك الواقع ، فلا مانع من الأخذ بإطلاقها. وهذا هو الجواب الصحيح عن هذا الإشكال.
وأمّا ما أفاده صاحب الكفاية في الجواب ـ من أنّ داعويّة البلوغ لا توجب تعنون العمل بعنوان يؤتى به بذاك العنوان بحيث لو أتي بالعمل غافلا عن وجهه وعنوانه لم يؤت بالمستحبّ ، كما أنّ العطش محرّك وداع إلى شرب الماء ، ولا يوجب تعنون الشرب بعنوان حيث لو شرب الماء غفلة عن كونه عطشان لم يرفع العطش (١) ـ فلا يرتفع به الإشكال ، إذ وإن لم يكن العمل معنونا بعنوان إلّا أنّ المستشكل يقول : لا يتحقّق العمل بما بلغ إليه لو لم يؤت بقصد الأمر
__________________
(١) كفاية الأصول : ٤٠٢.