وربما يقال بالتخيير بين الفعل والترك في جميع الأيّام بدعوى أنّ التكليف حيث إنّه في هذا القسم واحد ، بخلاف المسألة السابقة ، فإنّ المعلوم فيها إجمالا هو تكليفان : وجوبي وتحريمي ، غاية الأمر اشتبه متعلّق أحدهما بالآخر ، فلا يعلم بتكليف فعليّ على كلّ تقدير يمكن موافقته قطعا أو مخالفته قطعا حتى ينجّز العلم الإجمالي من جهته ، فلا محالة يحكم بالتخيير في كلّ يوم ، فله أن يفعل اليوم ويترك الغد ، وله العكس ، كما يجوز له الفعل في جميع الأيّام والترك كذلك. وبعبارة أخرى : التخيير استمراريّ لا بدويّ ، ولا يضرّ العلم بالمخالفة بعد ذلك ، فإنّ مخالفة التكليف غير الفعلي لا محذور فيها.
وفيه : أنّه يتولّد من هذا العلم علمان إجماليّان آخران به بنحو المنفصلة الحقيقيّة : أحدهما : حرمة الفعل اليوم أو وجوبه غدا ، والآخر : وجوب الفعل في اليوم أو حرمته غدا ، ومقتضى العلم الأخير ، وجوب الفعل في اليوم ووجوب الترك غدا وحرمة العكس ، ومقتضى الأوّل : وجوب الترك اليوم والفعل غدا وحرمة العكس ، فإنّه مخالفة قطعيّة ، وحيث لا يمكن المكلّف موافقة كلا العلمين ـ فإنّ موافقة أحدهما قطعا مستلزمة لمخالفة الآخر قطعا ـ فلا بدّ له من الموافقة الاحتماليّة بأن يفعل في جميع الأيّام ، أو يترك كذلك ، حذرا من المخالفة القطعيّة.
هذا تمام الكلام في الشكّ في التكليف.
* * *