أخرى قضائيّة.
والسرّ في جميع ذلك ما ذكرنا من أنّ مدار تأثير العلم الإجمالي ومنجّزيّته هو تساقط الأصول ، فإذا فرضنا وجود دليل في أحد الأطراف من علم أو أمارة أو أصل أو قاعدة بلا معارض ، فلا مانع من شمول دليل الأصل لباقي الأطراف ، إذ لا يلزم من شموله له ترجيح بلا مرجّح أو محذور آخر ، فيحكم بمقتضى أصل البراءة بإباحة شرب ما في الإناء الآخر الّذي لم يعلم بنجاسته ولم تقم أمارة على ذلك ولم تكن مستصحب النجاسة ، ويحكم بأصالة البراءة من وجوب القضاء في الفرض الأخير.
ومن هذا القبيل ما إذا علم إجمالا بنجاسة أحد إناءين وبعد ذلك علم إجمالا بوقوع قطرة من الدم إمّا في أحد هذين الإناءين أو إناء ثالث ، فإنّ العلم الإجمالي الثاني ـ حيث إنّ التكليف المحتمل في بعض أطرافه تنجّز بمقتضى العلم الإجمالي الأوّل ـ لا مانع من شمول دليل الأصل لطرفه الآخر ، ولا يلزم منه ترجيح بلا مرجّح ، كما لا يخفى.
هذا كلّه فيما إذا طرأ العلم الإجمالي على هذه الأمور ، وهكذا فيما إذا كان الأمر على العكس بأن حصل العلم الإجمالي أوّلا ثم طرأت عليه هذه الأمور ، وذلك لوجود الملاك المتقدّم في هذا الفرض أيضا بعينه ، غاية الأمر أنّ الاصطلاح جرى في الفرض الأوّل بأنّ العلم الإجمالي لا يؤثّر ، وفي الثاني بأنّه منحلّ إلى العلم التفصيليّ أو ما بحكمه والشكّ البدويّ ، وهذا مجرّد اصطلاح ، وإلّا فالملاك واحد فيهما ، وهو عدم المعارض للأصل الجاري في الطرف الآخر ، وذلك لأنّ العلم الإجمالي وإن كان منجّزا حين حدوثه إلّا أنّه يعتبر في بقاء التنجيز بقاء العلم ، وفي المقام بعد طروّ العلم التفصيليّ ـ مثلا ـ بنجاسة أحد الكأسين معيّنا حال حصول العلم الإجمالي بنجاسة أحدهما ينعدم العلم