أمّا حكم الشبهة غير المحصورة : فبعد ما عرفت من عدم معنى محصّل لها لا يبقى مجال للبحث عن حكمها ، فالتحقيق أن يقال : إنّ موارد العلم الإجمالي بالتكليف سواء كانت الشبهة محصورة أو كانت غير محصورة ـ بأيّ معنى من الحصر وعدمه ـ لا يخلو عن أحد أقسام ثلاثة :
قسم : لا يمكن للمكلّف موافقته القطعيّة ولا مخالفته القطعيّة ، وهذا من موارد دوران الأمر بين المحذورين ، وقد تقدّم أنّه مورد البراءة عقلا ونقلا.
وقسم آخر : لا يمكن موافقته القطعيّة ولكن يمكن مخالفته القطعيّة ، كما إذا اشتبه أمر القبلة بين الجهات الأربع ، وتردّد الثوب الطاهر بين عشرة ثياب ، وتردّد المسجد الطاهر أيضا بين عشرة ، فحينئذ تحصل الموافقة القطعيّة بإتيان أربعمائة صلاة ، وهو غير مقدور للمكلّف ، لعدم سعة الزمان المحدود له لذلك ، ولكن يمكنه المخالفة القطعيّة بترك الصلاة رأسا ، ولا ريب في حرمة المخالفة القطعيّة في هذا القسم والاكتفاء بالموافقة الاحتماليّة بالمقدار الممكن.
وقسم ثالث : عكس السابق ، وهو ما أمكنت موافقته القطعيّة دون المخالفة القطعيّة ، كما مثّلنا له سابقا بأن علم إجمالا بحلفه على ترك سكنى دار أوّل طلوع الشمس وتردّد أمر هذه الدار بين دارين ، فإنّ موافقته القطعيّة ممكنة بترك السكنى في كلتيهما في هذا الوقت ، ولكن مخالفته القطعيّة غير ممكنة ، لعدم القدرة على السكنى في دارين في زمان واحد ، وقد ذكرنا أنّ الموافقة القطعيّة واجبة ، ولا يدور وجوبها مدار حرمة المخالفة حتى ينتفي بانتفائها ، كما التزم به شيخنا الأستاذ (١) قدسسره ، لأنّ الميزان في تنجيز العلم بل كلّ احتمال للتكليف عدم مقرونيّته للمؤمّن العقلي أو الشرعي ، وهو مفقود في المقام ،
__________________
(١) أجود التقريرات ٢ : ٢٧٦.