«كان» التامّة وإن كان لا إشكال فيه من جهة اتّحاد القضيّتين ، إذ المشكوك ـ وهو الوجوب الاستقلالي ـ عين المتيقّن سابقا إلّا أنّ الوجوب لا بدّ له من متعلّق ، وإذا لاحظنا الوجوب مع متعلّقه نرى أنّ المتيقّن هو الوجوب المتعلّق بعشرة أجزاء ، وهو مقطوع الارتفاع ، والمشكوك وهو الوجوب المتعلّق بتسعة أجزاء ، فهو فرد آخر منه.
وهذا نظير ما إذا علمنا بوجوب إكرام زيد في زمان وارتفاعه في زمان آخر وشككنا في أنّه هل حدث وجوب آخر متعلّق بإكرام عمرو أو لا؟ فهل لنا أن نقول : وجوب الإكرام كان فعليّا سابقا يقينا والآن نشكّ في ارتفاعه فنستصحبه.
هذا ، مضافا إلى أنّ استصحاب فعليّة الوجوب المتيقّن سابقا لا يثبت الوجوب بالباقي غير المتعذّر ، كما أنّ استصحاب وجود الكرّ في الحوض لا يثبت كرّيّة الماء الموجود فيه.
وأمّا التقريب الثالث : فربّما يستشكل فيه بأنّ نظر العرف في بقاء الموضوع واتّحاد المشكوك والمتيقّن وإن كان متّبعا في الاستصحاب إلّا أنّه في المركّبات الخارجيّة التي يعرف العرف مقوّماتها تامّ ، كما إذا وجبت قراءة قصيدة إمرئ القيس بتمامها في زمان معيّن ، ثمّ عجزنا عن قراءة بيت واحد منها لنسيان أو غيره ، فحيث إنّ المركّب خارجيّ ويرى العرف الناقص منه بيت مع التامّ شيئا واحدا فلا إشكال في استصحاب الوجوب ، وهكذا في استصحاب كريّة الماء المأخوذ منه شيء يسير ، وأمّا في المركّبات الاعتباريّة المخترعة للشارع ـ كالصلاة والوضوء والغسل وأمثالها ـ فلا يمكن استصحاب الوجوب بعد تعذّر شيء يسير منها ، إذ من الممكن أن يكون هذا الشيء اليسير ممّا به قوام الواجب في نظر الشارع وقد خفي على العرف ، فلا يفيد اتّحاد المشكوك والمتيقّن بنظر العرف في أمثال هذه المركّبات.