الخامس : أن يكون نفيا للحكم الضرري وإخبارا عن عدم جعل الضرر في عالم التشريع ، كما أفاده الشيخ (١).
وهل يكون الحديث من هذا القبيل ، كما في (ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) أو هو ظاهر في الاحتمال الثالث الّذي استظهره صاحب الكفاية (٢) قدسسره؟ الظاهر هو الأوّل ، لما ذكرنا من أنّ النفي إذا تعلّق بعنوان ينطبق على فعل المكلّف وفعل المولى ، كالحرج ، ففي مثل هذا العنوان ظاهر في عدم جعله في عالم التشريع ، فإنّه نفي حقيقي لا يرتكب فيه تكلّف مجاز وخلاف ظاهر أصلا ، وعنوان الضرر من هذا القبيل ، فإنّه كما يصدق أنّ المكلّف أوقع نفسه في الضرر بارتكابه ما يوجب الضرر عليه كذلك يصدق أنّ المولى ألقى عبده في الضرر إذا كلّفه بتكليف ضرريّ ، وكما أنّ جعل الحكم الناشئ منه الضرر جعل للضرر على المكلّف حقيقة كذلك نفي الحكم الضرري نفي للضرر عن المكلّفين حقيقة بلا عناية أصلا ، فمفاد «لا ضرر» بعينه مفاد (ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) واستعمال أمثال هذه التراكيب في نفي الحكم بلسان نفي موضوعه ، ونفي فرديّة المنفي للطبيعة المحكومة به وإن كان ممكنا شائعا كما في «لا ربا بين الوالد والولد» ونظائره إلّا أنّه في خصوص المقام لا يمكن الالتزام به ، لأنّ الحكم المنفي في مثل «لا ربا بين الوالد والولد» هو الحكم الثابت على نفس الموضوع ، وهي الحرمة ، وفي المقام لا يمكن نفي الحكم الثابت على نفس عنوان الضرر بلسان نفيه ، فإنّه أوّلا : يفيد ضدّ المقصود ، إذ لا نعقل حكما لنفس عنوان الضّرر إلّا الحرمة ، فنفيها يفيد جواز الضرر وينافي مورد الرواية أيضا في قوله عليهالسلام : «إنّك رجل مضارّ ولا ضرر
__________________
(١) رسالة في قاعدة نفي الضرر (المطبوعة مع المكاسب) : ٣٧٢.
(٢) كفاية الأصول : ٤٣٢ ـ ٤٣٣.