إحراز الخمر الواقعي المترتّب عليه حكم الحرمة مثلا باستصحاب الخمريّة!؟
وجهة الجري العملي المترتّب على البناء والالتزام القلبي الّذي يسمّى بعقد القلب ، وهو من لوازم القطع وعوارضه لو لم يكن القاطع جاحدا ومشرّعا ، بمعنى أنّه من أفعال النّفس ومخترعاته ، فللنفس أن يبني بعد قطعه ويعتقد على طبق قطعه وعقد ما في قلبه بما في الخارج ويلتزم بما قطع به ، وله أن لا يعتقد ، كما قال الله ـ تبارك وتعالى ـ : (وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ)(١) فلو كان القطع أخذ في الموضوع من هذه الجهة ، فيقوم الاستصحاب مقامه ، فإنّ المكلّف بمقتضى التعبّد الشرعي كان وظيفته الجري على طبق الحالة السابقة ، بمعنى أنّه وإن كان شاكّا في الواقع ولم ينكشف الواقع لديه إلّا أنّه محرز لما يترتّب على الانكشاف ، وهو الجري والبناء ، ولم يكن متردّدا ومتحيّرا في أنّه هل يبني على هذا الطرف أو ذاك الطرف ، وإذا كان بانيا على أحد الطرفين ومعتقدا له تعبّدا ، فكان بناؤه التعبّدي واعتقاده الجعلي كبنائه الوجداني واعتقاده في ظرف القطع.
وبهذا البيان يظهر وجه تقديم الاستصحاب على الأصول غير المحرزة ، فإنّ موضوع تلك الأصول هو الشكّ والتحيّر من جميع الجهات من حيث الانكشاف ومن حيث الجري العملي ، بمعنى أنّ المكلّف إذا لم ينكشف لديه الواقع ولم يدر بأنّه أيّ شيء يعتقد ويبني على أيّ طرف؟ فهو وظيفته ـ في ظرف العمل ـ أن يعمل بما شاء ، وأنّه مطلق ومرفوع عنه ما لا يعلم به ، وموضوع الاستصحاب هو الشاكّ كذلك ، لكنّ الشارع رفع تحيّره من جهة الجري العملي ، وبعد تعبّد الشارع بالبناء على طبق الحالة السابقة فلا يبقى
__________________
(١) النمل : ١٤.