ينفيه الآخر ، ولا يرد النفي والإثبات على شيء واحد ، بل يتكفّل أحدهما لما لا يتكفّل له الآخر ، فلا تمانع بينهما ولا تعارض ، وهذا بخلاف باب التخصيص ، فإنّ كلّ واحد من الدليلين في «أكرم العلماء» و «لا تكرم الفسّاق» يثبت ضدّ ما يثبته الآخر ، فإنّ الأوّل يثبت وجوب إكرام العالم الفاسق ، والثاني يثبت حرمة إكرام العالم الفاسق ، وفي «يجب إكرام العلماء» و «لا يجب إكرام الفسّاق» يثبت الأوّل ما ينفيه الثاني ، فالتعارض من جهة أنّ مركز النفي والإثبات أمر واحد في هذا الباب.
وعدم التعارض في هذا القسم من الحكومة من جهة أنّ محطّ الإثبات شيء ومحطّ النفي شيء آخر ، فدليل وجوب الحجّ يثبت الحجّ على من فرض استطاعته ، ولا يتكفّل لشيء آخر ، فإذا فرض ورود دليل على أنّ «من رجع عن الحجّ غير مالك لمئونة سنته ليس بمستطيع» فلا تنافي بينه وبين الأوّل أصلا ، لأنّه ينفي ما لا يكون الأوّل مثبتا له وهو استطاعة هذا الشخص.
وأمّا وجه التقديم في القسمين الآخرين ـ يعني ما تكون الحكومة فيه بلسان «عنيت» و «أردت» أو ناظرة إلى عقد الحمل ـ فهو الوجه في تقديم الأمارات على الأصول بملاك واحد. والوجه المشترك بين المقامين هو : أنّ أحد الدليلين إذا أثبت حكما لعنوان والدليل الآخر بيّن المراد من ذلك العنوان ، لا يعدّ الثاني معارضا للدليل الأوّل ، فإذا سأل زرارة عن الصادق عليهالسلام عن حكم العالم ، فقال : «أكرم العلماء» وقال محمد بن مسلم مثلا لزرارة : إنّه عليهالسلام قال : «إنّ مرادي بالعلماء هو العدول منهم» لا يكون تناف وتمانع بينهما أصلا.
نعم ، يكون منافيا لأصل ثابت ببناء العقلاء ، وهو أصالة الظهور عند الشكّ في المراد ، فتكون المعارضة بين الأصل والدليل لا بين الدليلين ، ومن المعلوم أنّ الدليل يتقدّم على الأصل.