واستشكل عليهم شيخنا الأستاذ قدسسره ، وذهب إلى البطلان في كلا البابين بدعوى أنّ الحكم بعدم وجوب الوضوء وصحّته مع جواز التيمّم يشبه الجمع بين المتناقضين ، فإنّ موضوع الوضوء هو واجد الماء ، وموضوع التيمّم فاقد الماء ، والحكم بالتخيير بين الوضوء والتيمّم لازمه أن يكون المكلّف داخلا في عنوان واجد الماء حال دخوله في عنوان الفاقد(١).
ولكن لا يخفى ما فيه ، ضرورة أنّ آية (فَلَمْ تَجِدُوا)(٢) لم تدلّ على انحصار حكم الوضوء في حقّ الواجد والتيمّم في حقّ الفاقد ، وليس لنا دليل آخر أيضا يثبت ذلك ، بل الآية أثبتت الوضوء على الواجد والتيمّم على الفاقد ، ولا ينافي ورود دليل آخر مثل «لا ضرر» و «لا حرج» يثبت حكم الفاقد على الواجد أيضا ، كما أنّه ورد الدليل على أنّ «من أوى إلى فراشه وذكر أنّه لم يتوضّأ يتيمّم على فراشه» (٣).
والتحقيق أن يقال : إن قلنا بأنّ المنفي في دليل «لا حرج» و «لا ضرر» هو الإلزام ، فلا بدّ من الحكم بالصحّة في كلا البابين ، وإن قلنا بأنّ المنفي هو الحكم الضرري أو الحرجي على ما هو عليه وأنّ إطلاقات أدلّة الأحكام تقيّد بغير موارد الضرر والحرج ، فلا مناص عن الحكم بالبطلان في كلا البابين.
والظاهر هو الثاني ، لما عرفت من أنّ دليل «لا ضرر» و «لا حرج» حاكمان على أدلّة الأحكام وناظران إليها ، ولسانهما نفي جعل الضرر والحرج في عالم التشريع ، فبعد ما لم يكن الحكم الضرري أو الحرجي مجعولا في
__________________
(١) قاعدة لا ضرر (المطبوعة مع منية الطالب) : ٢١٦.
(٢) النساء : ٤٣ ، المائدة : ٦.
(٣) الفقيه ١ : ٢٩٦ ـ ١٣٥٣ ، التهذيب ٢ : ١١٦ ـ ٤٣٤ ، الوسائل ١ : ٣٧٨ ، الباب ٩ أبواب الوضوء ، الحديث ٢.